ندوة وطنية حول موضوع: مستجدات الميثاق الوطني للاتمركز الإداري

 

 شهدت قاعة الندوات برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير، يوم السبت 09 فبراير 2019، انطلاقا من الساعة الثانية والنصف بعد الزوال، تنظيم فعاليات ندوة علمية حول موضوع « مستجدات الميثاق الوطني للاتمركز الإداري »، بمبادرة من فريق البحث في القانون العام والحكامة، وماستر حكامة الجماعات الترابية والتنمية المستدامة، والمركز المغربي للدراسات وتحليل السياسات، والمركز المغربي للبحث والدراسات الترابية.

وتم افتتاح أشغال هذه الندوة من طرف السادة الأساتذة أعضاء اللجنة التنظيمية، ويتعلق الأمر بكل من:

الدكتور رضا الفلاح: أستاذ باحث بكلية الحقوق بأكادير، ومنسق فريق البحث في القانون العام والحكامة، وكاتب عام المركز المغربي للدراسات وتحليل السياسات ، الذي أشار في تدخله الى أن الندوة تنعقد في إطار مواكبة المستجدات الوطنية ومن ضمنها الميثاق الوطني للاتمركز الإداري الصادر مؤخرا، والذي تسعى من خلاله الدولة الى تعزيز حكامة تدبير الشأن العام الترابي من خلال إحداث تناغم وانسجام بين اللامركزية واللاتمركز، متسائلا الى أي مدى يمكن لهذا الميثاق الوطني إحداث توافق بين هاتين الركيزتين المتوازيتين، مع استحضار دور والي الجهة فيما يتعلق بالإشراف والتنسيق بين جميع المصالح اللاممركزة المتدخلة في الشأن العام الترابي على صعيد الجهة.

الدكتور الحسين الرامي: أستاذ باحث بكلية الحقوق بأكادير، رئيس المركز المغربي للدراسات وتحليل السياسات، ومنسق ماستر حكامة الجماعات الترابية والتنمية المستدامة، الذي عبر بدوره عن شرف تنظيم هذه الندوة العلمية حول موضوع ذي راهنية كبرى، يتمثل في الميثاق الوطني للاتمركز الاداري الذي لم يمض على صدوره سوى مدة يسيرة تقل عن شهرين من تاريخ انعقاد الندوة، وذلك بهدف الوقوف على المستجدات التي يتضمنها والاشكالات التي قد يطرحها، كما اغتنمها فرصة لتقديم الشكر الى جميع الأساتذة المتدخلين والمشاركين في أشغال هذه الندوة، لاسيما منهم المتحملين لعناء السفر والتنقل من مدينة مراكش الى مدينة أكادير، وخص منهم بالذكر الأستاذين: الدكتور الجيلالي شبيه، والدكتور محمد الغالي، الأستاذين الباحثين بجامعة القاضي عياض بمراكش، كما تقدم بالشكر الى باقي الأساتذة بكلية الحقوق بأكادير وعمادة الكلية وباقي الحضور، ونوه بالمجهود الخاص والجبار الذي بدله طلبة ماستر حكامة الجماعات الترابية والتنمية المستدامة، الذين تكفلوا بالإعداد لهذه الندوة في جميع مراحلها وبجميع متطلباتها، كما تقدم بشكر خاص إلى وسائل الإعلام التي أبت إلا أن تقوم بتغطية هذا الحدث العلمي البارز، ممثلة في القناة التلفزية الثانية والجريدة الإلكترونية MAROC NEWS

الأستاذ الدكتور ادريس أيتلحو: أستاذ باحث بجامعة القاضي عياض بمراكش، ورئيس المركز المغربي للبحث والدراسات الترابية، الذي تقدم بالشكر الى الأساتذة منسقي الندوة، وعمادة الكلية وجميع الحضور من أساتذة وطلبة، معتبرا في تدخله بأن هذه الندوة تشكل فرصة للأساتذة والطلبة لمناقشة الميثاق الوطني للاتمركز الإداري الحديث العهد بالإصدار، والبحث عن مناطق الظل في هذا الميثاق كأكاديميين، مشيرا إلى أن المقاربة القانونية غير كافية لوحدها لدراسته وسبر أغواره، وإنما يجب استحضار الجانب السوسيولوجي والسيكولوجي خلال بحث ودراسة هذا الموضوع، الذي يأتي في سياق الجهوية المتقدمة باعتبارها ورشا مفتوحا وموضوعا لنقاش مستمر بين كافة الفاعلين.

الجلسة الأولى من الندوة

 بعد تدخلات أعضاء اللجنة التنظيمية، انطلقت أشغال الجلسة الأولى من هذه الندوة التي ترأسها الأستاذ الدكتور محمد أضرضار، الذي تقدم بالشكر لجميع الأساتذة وباقي الضيوف والطلبة ووسائل الإعلام الحاضرة، مذكرا بأن موضوع هذه الندوة يكتسي أهمية بالغة بحيث يشكل موضوع الساعة، وله عدة مرتكزات ومرجعيات، دستورية انطلاقا من وثيقة الدستور، وسياسية انطلاقا من التصريح الحكومي، وقانونية انطلاقا من النصوص التنظيمية وفي مقدمتها الميثاق الصادر مؤخرا على شكل مرسوم.

بعد ذلك أعطى الكلمة لأول المتدخلين في إطار هذه الندوة، ويتعلق الأمر بالأستاذ الدكتور الجيلالي شبيه، أستاذ باحث بجامعة القاضي عياض بمراكش.

المداخلة الأولى: الاستاذ الجيلالي شبيه.

استهل الأستاذ الجيلالي شبيه مداخلته بمقولة مأثورة في علم السياسة، مفادها أن « القانون يعتبر امتدادا للسياسة، إذا كافأت كافأ وإذا عاقبت عاقب»، بعد ذلك تعرض للمراحل الثلاثة التي تمر منها ممارسة السلطة السياسية، بدءا بمرحلة أتوقراطية السلطة ثم أوليكارشية السلطة وانتهاء بديموقراطية السلطة.

وتأسيسا على ذلك، أشار إلى أن واقع النظام السياسي والتنظيم الاداري بالمغرب يعرف أربعة مدارج ومستويات لممارسة السلطة، يأتي في مقدمتها تمركز السلطة في يد الملك والتي تمكنه من ممارسة اختصاصاته، وهي بمثابة شخصنة السلطة، وفي المرتبة الثانية تأتي مركزية السلطة، وذلك على مستوى الحكومة وسماها بمأسسة السلطة، وفي المرتبة الثالثة يأتي لا تمركز السلطة أو اللاتمركزية، ومؤداها تفويض الصلاحيات المركزية للمصالح اللاممركزة تحت إشراف ومراقبة الولاة والعمال، وهذا ما اعتبره أيضا شخصنة للسلطة، وفي المرتبة الرابعة تأتي لا مركزية السلطة والتي تمارسها السلطات المنتخبة وهي نوع آخر من أنواع مأسسة السلطة.

بعد ذلك تساءل المتدخل هل نحن أمام الشخصنة واحتكار السلطة ؟ أم أننا أمام المــأسسة وتوزيع السلطة؟

و في إطار المحور الثاني من مداخلته، عرج على بعض المراحل التاريخية لتطور نظام اللاتمركز بالمغرب منذ التاريخ القديم قبل 2400 سنة، حيث أكد على أن نظام مركزية السلطة كان معروفا لدى الأمازيغ ومتجسدا في شخص « أكليد » أو الملك كرئيس للدولة، وفي مستوى أدنى من ذلك يوجد منصب « أمغار» لدى القبائل الأمازيغية، مضيفا بأنه في مختلف الدول التي حكمت المغرب هناك دائما تمركز السلطة في يد الملك بدءا بالأدارسة ثم المرابطين والموحدين والسعديين فالعلويين. وفي عهد الاستعمار أشار إلى أن هناك استمرار لتمركز السلطة في يد المقيم العام، مع السماح بقليل من اللاتمركز على مستوى الجهات.

وبعد الاستقلال بدأت تظهر بوادر وملامح توزيع السلطة بين المركز والمحيط، ولو بطريقة بدائية وشكلية، من خلال اعتماد نظامي اللامركزية واللاتمركز، ومع مرور الوقت أصبح المغرب يزاوج بين هذين النظامين لممارسة السلطة على المستوى الترابي، بحيث أن هناك نوعا من مأسسة السلطة يتمثل في المجالس المنتخبة الى جانب نوع من الشخصنة متجسدة في ممارسة الوالي أو العامل لسلطة الوصاية سواء على الإدارات اللامركزية أو اللاممركزة.

وفي ظل الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، لاحظ الأستاذ المتدخل بأنه يعد خطوة إيجابية في إعادة ترتيب العلاقة بين الوزارات والمصالح اللاممركزة، غير أنه يخشى أن يفضي ذلك إلى إعطاء سلطات مهمة وواسعة للمصالح اللاممركزة على حساب المؤسسات اللامركزية، وبالتالي تهميش دور الجماعات الترابية في التنمية، وهذا ما يعتبر في نظره تقوية لنظام شخصنة السلطة على حساب نظام مأسستها.

المداخلة الثانية: الأستاذ مولاي ابراهيم كومغار

 في مستهل حديثه شكر الأستاذ مولاي ابراهيم كومغار جميع المساهمين في تنظيم فعاليات هذه الندوة العلمية حول هذا الموضوع الآني والراهني على حد وصفه، كما شكر جميع الحاضرين من أساتذة وطلبة.

 واعتبر أن دراسة هذا الموضوع بالنسبة إليه، فرصة لنفض الغبار على مقال كان قد أعده منذ سنوات خلت حول موضوع «التفويض الإداري في تفعيل اللاتمركز الإداري »، مؤكدا على أن مقاربة هذا الموضوع يجب ألا تنحصر فقط في الجانب القانوني، وإنما يجب استحضار إشكالية الأجرأة والتفعيل.

وفي إطار هذه المداخلة، وقف المتدخل على عدة نقط أساسية بدأها بتعريف اللاتمركز الإداري بكونه نقل الاختصاصات من الأصيل إلى المفوض، كما تحدث عن الدور المحوري الذي خوله المشرع لوالي الجهة من أجل تفعيل ميثاق اللاتمركز الإداري والتنسيق بين المصالح اللاممركزة، معتبرا أن عدم تفويض الصلاحيات والاختصاصات شكل دوما عائقا كبيرا أمام تلبية حاجيات المواطنين، وهذا ما أشار إليه البنك الدولي منذ سنة 1995 في تقرير عن الإدارة المغربية، حيث اعتبرها إدارة غير منتجة وغير محفزة وتعاني من مشكل تفويض الصلاحيات بما يضمن الاستجابة لحاجيات المواطنين بقدر كاف من السرعة والفعالية.

و قد أرجع الأستاذ احتكار الاختصاصات والصلاحيات من طرف بعض رؤساء المصالح الإدارية إلى عدة أسباب يمكن اختصارها فيما يلي:

-  حب السلطة والاستفراد بالقرار.

-  حب الظهور والتباهي بالمنصب.

-  عدم الرغبة في منح الفرصة للترقي لمن هو أدنى منهم درجة.

-  خوف رؤساء المصالح الإدارية من فقدان مراكزهم ومناصبهم.

-  قلة النضج والانغلاق على الذات.

كل هذا يؤدي إلى وجود أزمة في اتخاذ القرارات، تكتسي أحيانا صورا سلبية متمثلة في التقاعس وعدم الجرأة على تنفيذ المشاريع والبرامج التنموية، وكدليل على ذلك وجود مبالغ ضخمة بميزانيات بعض المرافق العمومية يتم نقلها من سنة إلى أخرى.

و في ختام مداخلته تحدث الأستاذ عن الشروط والآليات الكفيلة بإنجاح الميثاق الوطني للاتمركز الإداري وفي مقدمتها مسألة تأهيل العنصر البشري كرافعة أساسية في هذا المجال، بالإضافة إلى تقوية التفويض كآلية من آليات اللاتمركز وتحسين وتجويد أداء الإدارة.

المداخلة الثالثة: الاستاذ محمد الغالي

في بداية مداخلته، تقدم الأستاذ الباحث بالشكر إلى أعضاء اللحنة التنظيمية وجميع الأساتذة والطلبة الحاضرين، بعد ذلك قدم عرضا بعنوان:"كيف نوفق بين المركزية واللامركزية واللاتمركز"، مبرزا أن اللامركزية واللاتمركز هما نمطان للتدبير متلازمان وتكاملان تطبعهما عدة مزايا وخصوصيات منها:

-  الالتقائية: Convergence

-  التعاضد: Mutualisation

-  التظافر:Synergie


ثم قدم وصفا للهندسة الدستورية للسياسات العمومية في مجال تحقيق التنمية المستدامة والمندمجة بكونها تنقسم إلى ثلاثة محاور أساسية وهي:

§    سياسات عمومية ترابية

§    سياسات عمومية قطاعية

§    سياسات عمومية شاملة

وخلص إلى أنه لا يمكن الفصل بين اللامركزية واللاتمركز، مع تأكيده بالطبع على ضرورة استحضار موازين القوة وتجاذب السلطة القائم بصفة مستمرة بين المركز والمحيط، وكمثال على ذلك، تحدث عن دستور سنة 2011 الذي جاء بعدة صلاحيات واسعة لكافة الفاعلين سواء على مستوى الحكومة أو الجماعات الترابية، غير أنه مع مرور الوقت ومع صدور النصوص التنظيمية التي جاءت لتنزيل المقتضيات الدستورية، تبين أن هناك نوعا من التراجع عن بعض المكتسبات، بل نوعا من الفرملة وتقليص الصلاحيات التي جاء بها الدستور، مشيرا إلى أن علم السياسة وحده هو الكفيل بالإجابة على هذه المفارقات.

و من جهة أخرى استطرد الأستاذ محمد الغالي قائلا بأن "نمط تدبير السلطة في المغرب كان دائما في أصله قائما على نظام المركزية في إطار الدولة الموحدة، مع الاعتراف للساكنة بحرية تدبير شؤونها".

 وفيما يتعلق بنظام اللاتمركز فرغم أنه كان ملازما لنظام اللامركزية منذ السنوات الأولى من الاستقلال، غير أنه يتسم بعدم النجاعة والفعالية، وذلك ما أبانت عنه تجربة إعداد برامج عمل الجماعات، بحيث أن المصالح الخارجية لم تستطع تقديم أي جديد أو اتخاذ أي قرار يفيد في هذا الموضوع، بدعوى أن برمجة المشاريع التنموية يتم على المستوى المركزي مما يدل على سيادة مركزية مطبقة وغياب نوع من التعاضد بين المؤسسات.

و في نفس السياق، أثار اشكالية أخرى تتمثل في استثمار نتائج الأعمال (Capitalisation) والصراع القائم بين المصالح اللاممركزة والمؤسسات اللامركزية حول من سينسب له الفضل في القيام بالفعل التنموي على المستوى الترابي، وذلك على غرار الصراع القائم بين الديموقراطية التمثيلية والديموقراطية التشاركية.

المداخلة الرابعة: الاستاذ عبد الغفار أكرام القصاد

بعد تقديم الشكر إلى كافة منظمي الندوة العلمية، أثار في مداخلته إشكالية العلاقة الجدلية القائمة بين السياسات التنموية في المغرب والبرامج والاستراتيجيات التي تهدف إلى القضاء على الفقر، وما يعيشه البلد على أرض الواقع؛ مؤكدا على أن هناك فعلا عددا من السياسات والبرامج التنموية، ورغم ذلك فالمغرب لا يزال قابعا في أسفل سلم التنمية البشرية، ومرتبا في مصاف الدول المتخلفة.

و السؤال الذي يفرض نفسه، لماذا فشلت كل السياسات التنموية في المغرب؟ وإلى أي حد يمكن أن يلعب ميثاق اللاتمركز الإداري دورا فعالا كآلية لتحقيق التنمية؟

انطلاقا من التقارير الدولية وتقارير المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والمؤسسات ذات الاهتمام بهذا المجال، فإنها تكاد كلها تجمع على قصور السياسات العمومية بالمغرب عن تحقيق التنمية المنشودة، حيث أن مستوى عيش المواطن المغربي في الظروف الراهنة يوازي مستوى عيش الفرنسيين سنة 1950، والايطاليين سنة 1955، والاسبان سنة 1960.

و من بين مظاهر فشل السياسات العمومية ارتفاع حجم المديونية إلى 692 مليار درهم، بالإضافة إلى ضعف البعد التشاركي لملائمة التدبير العمومي للضرورات والمتطلبات المحلية، وغياب المتابعة والتقييم والمراقبة والمساءلة.

و من أجل تمكين الميثاق الوطني للاتمركز الإداري من الآليات الكفيلة بالإجابة على هذه الأسئلة وتجاوز هذه الإكراهات، يرى الأستاذ المتدخل على أنه يجب توفير بعض الشروط التالية:

-  تدعيم علاقات الشراكة بين الدولة والجماعات الترابية.

-  تبني التدبير حسب الأهداف والنتائج ووضع منظومة لتتبع المشاريع.

-  تدعيم المؤسسات بالموارد البشرية الكافية والمؤهلة والموارد المالية.

-  الانفتاح على نظام التعاقد واعطاء فرصة للكفاءات.

-  تفعيل حركية وإعادة انتشار الموظفين من خلال مراسيم الإلحاق والانتقال والوضع رهن الاشارة.

-  اشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني في تدبير ورسم السياسات التنموية.

الجلسة الثانية من الندوة.

ترأس أشغال هذه الجلسة الأستاذ رضا الفلاح، وكانت أول مداخلة من إلقاء الأستاذ الحسين الرامي.


المداخلة الاولى: الاستاذ الحسين الرامي

 في مستهل مداخلته، أشار الدكتور الحسين الرامي إلى المرجعيات القانونية والسياسية التي انبثق عنها الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، وفي مقدمتها الخطب الملكية والوثيقة الدستورية، ثم التصريح الحكومي ومجموعة من النصوص التنظيمية.

كما طرح جملة من التساؤلات حول أسباب اعتماد مجموعة من المفاهيم والمصطلحات في هذا الإطار، وفي مقدمتها مفهوم «الميثاق»، ولماذا سمي هذا النص بالميثاق واتخذ شكل مرسوم بدل أن يصدر على شكل قانون؟ هل لأن المرحلة تستوجب الحديث عن الميثاق أكثر من أي شكل آخر من الصيغ القانونية؟

بالإضافة إلى ذلك، أشار إلى تداول مصطلح «أحكام» داخل نص المرسوم أكثر من مرة، وهذا ما يرمز إلى قواعد وتشريع القضاء والقوة الإلزامية للنص، وبالمقابل لفت انتباه الحضور إلى تواجد بعض المفاهيم التي لا زالت تكتنفها بعض الضبابية والغموض والعمومية.

كما تحدث الأستاذ المتدخل عن مجموعة من المستجدات التي جاء بها ميثاق اللاتمركز الإداري، ومن جملتها تحديد الجهة كفضاء ترابي ملائم لبلورة السياسة الوطنية للاتمركز الإداري، والدور المحوري لوالي الجهة في هذه العملية، بحكم إشرافه وتنسيقه بين المصالح اللاممركزة التابعة لنفوذ الجهة.

كما أعطى نظرة عن الهياكل الموكول إليها تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للدولة، وعلى رأسها اللجنة الجهوية للتنسيق التي يترأسها الوالي وتضم عمال العمالات والأقاليم التابعة للجهة ورؤساء مصالح الدولة اللاممركزة على مستوى الجهة، والمسؤولين عن المراكز الجهوية للاستثمار والمسؤولين الجهويين للمؤسسات العمومية المعنية والكاتب العام للشؤون الجهوية.

وأمام هذا الكم الهائل من التمثيليات، لاحظ المتدخل بأن هناك تضخما كبيرا في أجهزة التنسيق مما قد يطرح سؤال النجاعة والفعالية، أضف إلى ذلك الصيغة الفضفاضة في تحديد اختصاصات الإدارة المركزية واختصاصات الادارات اللاممركزة.

وكخلاصة لمداخلته، أوجز الأستاذ المتدخل بأن الميثاق الوطني للاتمركز الإداري يعبر على عدد من الرهانات والطموحات التي ترمي إلى تدبير ناجع وفعال للمرافق العمومية، لكنه بالمقابل يحتوي على عدد من المصطلحات والمفاهيم التي لا زالت فضفاضة وغير دقيقة والتي تفتح الباب أمام عدة تأويلات، كما أن هياكل تفعيل هذا الميثاق قد تعترضها عدة إكراهات من قبيل التضخم في الأجهزة وغياب آليات الرقابة الخارجية، كما أثار مسألة غاية في الأهمية، وهي أن عنصر الاستعجال قد يحد من فعالية الاصلاح الهيكلي والعميق الذي يرجى من هذا الميثاق.

و في الاخير أكد على أن إصلاح الإدارة يتطلب في الدرجة الأولى تغيير السلوكات والعقليات وتحري الجودة في التشريعات لخدمة المواطن والصالح العام، كما ينادي بذلك دائما ملك البلاد، والتي ختم الأستاذ الدكتور الحسين الرامي مداخلته بفقرة منها.

المداخلة الثانية: الاستاذ محمد الشاوي

 في إطار مداخلته تحدث الأستاذ محمد الشاوي عن الوظيفة التنسيقية للوالي أو العامل في إطار تفعيل ميثاق اللاتمركز الإداري، وعن ممكنات ومقومات إنجاح هذا التنسيق.

وفي معرض حديثه، أشار المتدخل إلى أن هناك قصورا قانونيا في تحديد مفهوم الوظيفة التنسيقية للعامل أو الوالي، بحكم تعدد الآليات المؤسساتية الموضوعة رهن إشارته، وتعدد مجالات تدخله بحيث يشارك في جميع الهيئات الاستشارية والتقريرية في المجال الأمني والإداري، فهو يترأس المجالس الإدارية للوكالات المستقلة، ويتدخل في المجال الفلاحي من خلال البث في طلبات نقل ملكية الأراضي الموجودة في حوزة وزارة الفلاحة إلى الخواص، ويترأس اللجنة الإقليمية للتجهيز التي تضع تصورا حول تجهيز العمالة أو الإقليم، بالإضافة إلى لجنة التعمير والتصاميم، ويتدخل في المجال الاقتصادي في قطاعات التجارة والصناعة والسياحة (مراقبة الأسعار والمؤسسات السياحية...)، ويتدخل في مجال التضامن الاجتماعي من خلال ترؤس اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية وغير ذلك من المجالات.

ورغم تعدد مجالات تدخل الوالي أو العامل إلا أن هناك نوعا من المحدودية في سلطة القيام بالوظيفة التنسيقية، تتجلى في غياب آليات متابعة نشاط المصالح اللاممركزة للدولة، كما أن أغلب الوزراء يستنكفون من سلطة الوالي و"يتأففون" من تدخله وإشرافه على القطاع التابع لوزاراتهم، لكون الوزير يتحمل مسؤولية سياسية ويخضع للمحاسبة أمام المواطنين.

كما أن سلطة الوالي على المصالح اللاممركزة تبقى سلطة معنوية فقط، بحيث تفتقر إلى إمكانية توقيع الجزاءات على رؤساء المصالح الخارجية الذين يتقاعسون في تأدية مهامهم، بالإضافة إلى غياب إمكانية ممارسة سلطة الحلول في هذا المجال.

و حول السبل الكفيلة بإنجاح الوظيفة التنسيقية للوالي أو العامل، أشار الأستاذ المتدخل إلى أن ميثاق اللاتمركز الإداري جاء بجملة من المستجدات يمكن اختصارها فيما يلي:

§    منح الوالي الصدارة في التنسيق بين المصالح الخارجية على مستوى الجهة.

§    إحداث بنية إدارية تسمى الكتابة العامة للشؤون الجهوية يرأسها، تحت سلطة الوالي، الكاتب العام للشؤون الجهوية الذي يعين من قبل وزير الداخلية.

§    إحداث اللجنة الجهوية للتنسيق التي يترأسها الوالي.

المداخلة الثالثة: الاستاذ إدريس أيتلحو

تطرق الأستاذ الباحث في مداخلته إلى مقاربة سوسيولوجية للموضوع بناء على باراديغم ماكس فيبر الذي ينطلق من الجزء ليصل إلى الكل، مذكرا بأنه من السذاجة الخوض في بعض النقاشات التي تبدو كـأنها نقاشات أكاديمية في حين أنها فقط مواضيع تقنية محضة تتطلب أجوبة بسيطة جدا.

 والسؤال المطروح حسب المتدخل: هل هناك تحمل مسؤولية الاختيار أم أننا لا زلنا في البحث عن الذات سياسيا؟

حيث أبرز بأن التحدي القائم حاليا هو أن تنبثق القرارات من الأسفل إلى الأعلى وليس العكس، مشيرا إلى أن واقع الدولة حاليا يتسم بتنزيل السياسات العمومية بشكل عمودي وفرضها من طرف المركز على المؤسسات الترابية والجهوية.

ومن جهة أخرى، أشار الاستاذ المتدخل إلى أن الميثاق الوطني للاتمركز الإداري جاء لتعزيز مسار الجهوية المتقدمة التي أسس لها المغرب، والتي هي في نظره بمثابة ورش كبير لا زلنا نعمل ونبني من خلاله، فهي ليست تمردا أو انحرافا إنما هي امتداد للمسار التحديثي لتدبير الشأن الترابي بالمغرب.

ومقابل هذه النظرة الإيجابية أشار المتدخل إلى وجود بعض النقائص التي يجب تجاوزها، وكمثال على ذلك طرح سؤال الجدوى من وجود العمالات والأقاليم كجماعات ترابية في حين أن وظيفتها غير مجدية وليست لها آثار تنموية واضحة وينبغي الاستغناء عنها، وترك المجال للعمل أمام الجماعات والجهات.

وبعد هذه المداخلات القيمة للسادة الأساتذة الأجلاء، تم فتح باب المناقشة لطرح الأسئلة من طرف الحضور من أساتذة وطلبة بمختلف تخصصاتهم ومستوياتهم.

بعد ذلك تم توزيع الشواهد التقديرية على السادة الأساتذة المشاركين في هذه الندوة، وتلاوة التقرير التركيبي للندوة من طرف الطالبين المهدي مفتاحي ورشيد باغو من ماستر حكامة الجماعات الترابية والتنمية المستدامة، وأخذ صورة تذكارية جماعية، واختتام أشغال الندوة في تمام الساعة الثامنة مساء.