المائدة المستديرة حول موضوع: المراكز الجهوية للاستثمار وسؤال الحصيلة والأفق

 

انعقدت يوم الخميس 21 مارس 2019 على الساعة الثالثة زوالا، بقاعة الندوات بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة ابن زهر بأكادير، مائدة مستديرة حول موضوع "المراكز الجهوية للاستثمار وسؤال الحصيلة والأفق"، من تأطير السيد مدير المركز الجهوي للاستثمار بجهة سوس ماسة، وبمبادرة من فريق البحث في القانون العام والحكامة، وطلبة ماستر حكام الجماعات الترابية والتنمية المستدامة.
و قد تم افتتاح هذا اللقاء من طرف السيد محمد بوعزيز نائب عميد كلية الحقوق، حيث رحب بجميع الحاضرين، وبصفة خاصة بالسيد مدير المركز الجهوي للاستثمار الأستاذ خليل نزيه، كما تحدث عن أهمية هذه الندوة العلمية من حيث راهنيتها، لكونها تأتي بعد شهر من نشر القانون 47.18 المتعلق بإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وبإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار، مبرزا دور وأهمية هذه المراكز في ترسيخ وتوطيد دعائم الجهوية المتقدمة وتفعيل سياسة القرب.
كما أشار السيد نائب العميد في كلمته الافتتاحية إلى أهم المستجدات التي جاء بها القانون الجديد من حيث الارتقاء بالمراكز الجهوية للاستثمار إلى مؤسسات عمومية وإحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار وتبسيط المساطر.
بعد ذلك، تفضل الأستاذ الدكتور الحسين الرامي منسق ماستر حكامة الجماعات الترابية والتنمية المستدامة بإلقاء كلمة تمهيدية، تناول خلالها على الخصوص أهم المحطات التي عرفها إحداث وتطور المراكز الجهوية للاستثمار؛ ابتداء من الرسالة الملكية لسنة 2002 التي شكلت نقطة الانطلاق لإحداث هذه المراكز، تليها المحطة المرتبطة بصدور تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2015 والذي رصد اختلالات تهم الحكامة وضعف النظام المعلوماتي وغياب نظام أساسي خاص بموظفي المراكز الجهوية للاستثمار ونجاعة اشتغال الشباك الوحيد، ثم المحطة الثالثة المتمثلة في الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش لسنة 2017 والذي أشار إلى ضعف الإدارة العمومية من حيث الأداء والحكامة، وكمثال على ذلك وضعية بعض المراكز الجهوية للاستثمار، وفي خطاب العرش للسنة الموالية (2018) أعطى جلالته أوامره السامية لانطلاق ورش إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار، ويعتبر هذا الخطاب بمثابة الحافز الرئيسي للوصول الى المحطة الحالية والتي توجت بإصدار القانون رقم 47.18.
كما طرح الأستاذ المتدخل مجموعة من التساؤلات والتي تحتاج الى أجوبة وستشكل أرضية للنقاش خلال هذه المائدة المستديرة، من قبيل سؤال الحكامة ونجاعة أداء المراكز الجهوية للاستثمار، وسؤال الموارد البشرية والربط المعلوماتي وغيرها من آليات الاشتغال، وطبيعة اختصاصات هذه المراكز وإشكالية تداخلها مع اختصاصات مؤسسات أخرى.
بعد ذلك، أعطيت الكلمة للسيد خليل نزيه مدير المركز الجهوي للاستثمار لجهة سوس ماسة الذي ركز في مداخلته على محورين رئيسيين:
1- إحداث وتطور تجربة المراكز الجهوية للاستثمار: نتائجها وإكراهاتها.
2- أهم مقتضيات القانون الجديد 47.18.
المحور الأول: إحداث وتطور تجربة المراكز الجهوية للاستثمار، نتائجها وإكراهاتها.
 تناول السيد المدير في هذا المحور، الظروف التاريخية المصاحبة لإنشاء المراكز الجهوية للاستثمار، حيث أشار إلى أن هذه المراكز خرجت الى حيز الوجود غداة خروج المملكة من مخطط التقويم الهيكلي (plan d’ajustement structurel) P.A.S.، والذي تلته محطة تميزت بمحاولة إعادة تأهيل المؤسسات العمومية والإدارة وكذا النصوص القانونية، وتبني مخطط واسع لإعادة هيكلة المقاولة المغربية.
إلا أن الإدارة لم تواكب هذا التطور الذي يعرفه محيطها الاقتصادي، فتم التفكير في إحداث مراكز تأهيل المقاولات، إلا أن هذه التجربة لم تدم طويلا بحيث أظهرت بعض النواقص التي تعيق تطور المقاولة، فتم التفكير في نقل تجربة الشباك الوحيد المعمول بها في بعض الدول ككندا وتونس.
و يعد تاريخ 9 يناير 2002 منعطفا حاسما في هذا المجال، حيث وجه جلالة الملك رسالة ملكية سامية الى الوزير الأول آنذاك، دعا فيها جلالته إلى تنزيل التدبير اللاممركز للاستثمار وإحداث المراكز الجهوية للاستثمار، والدعوة إلى تفويض الاختصاصات للسادة الولاة وتمكين هذه المراكز من الموارد والإمكانيات اللازمة للقيام بمهامها.
وقد انطلقت المراكز الجهوية للاستثمار عبر خلق ثلاثة شبابيك: الأول خاص بخلق المقاولة والثاني يهم مساعدة المستثمرين والثالث مرتبط بالتعاون والدراسات والتواصل، وقد كانت هذه التجربة جد موفقة في بدايتها، وأعطت نتائج جيدة أدت إلى:
-  تبسيط عملية خلق المقاولة وجعلها مرنة، مما انعكس على تصنيف المملكة بشكل إيجابي فيما يخص مناخ الاستثمار، كما انعكس على تجويد وتحسين القانون الخاص بالشركات.
-  مساعدة المستثمرين بتقديم التوجيه والنصح والإرشاد مرورا بعملية الحصول على التراخيص ومواكبة دراسة الملفات في لجان الاستثمار.
لكن مع مرور الوقت، بدأت تعرف هذه التجربة نوعا من التراجع واصطدمت بعدة إكراهات ولم تعد تواكب متطلبات هذا القطاع، وقد أجمل السيد المدير بعض تلك الاكراهات فيما يلي:
-  عدم التمكن من نزع الصفة المادية عن عملية خلق المقاولة.
-  عدم تمكين المراكز من الولوج الى قاعدة المعطيات الموجودة رهن إشارة بعض الإدارات الأخرى.
-  عدم توفر المركز الجهوي للاستثمار على سلطة حقيقية لمواجهة قرارات رفض ملفات الاستثمار.
-  مقاومة بعض الإدارات لمسألة نقل الاختصاصات جهويا.
-  إشكالية ملائمة القوانين الأخرى لاشتغال المراكز.
-  اعتماد المركز الجهوي للاستثمار على مجهوداته الذاتية وعلاقته مع مؤسسة الوالي والتفاوض مع الإدارات الأخرى في غياب الاختصاصات.
-  هيمنة لجنة الاستثمارات على الدور الذي من المفروض أن تلعبه المراكز الجهوية للاستثمار.
-  إشكالية الموارد البشرية وغياب نظام خاص ومحفز لأطر المركز.
و استمر الوضع على هذا النحو، إلى أن جاء تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2015 حول طرق تدبير واشتغال المراكز الجهوية للاستثمار، والذي رصد مجموعة من الاختلالات في طرق اشتغال تلك المراكز، وذلك ما زكته الخطب الملكية المتوالية والتي أشارت إلى محدودية عمل المراكز الجهوية للاستثمار مقارنة بالانتظارات والآمال المعقودة عليها.
و من هنا، تدخل جلالته وأعطى نفسا جديدا مهد لإصدار القانون 47.18، المتعلق بإحداث المراكز الجهوية للاستثمار وإحداث اللجان الموحدة للاستثمار.
المحور الثاني: أهم مقتضيات القانون الجديد 47.18
 خلال هذا المحور، أبرز السيد المدير أهم المقتضيات والمستجدات التي جاء بها القانون الجديد، والتي لخصها في ثلاثة نقط:
1-إعادة الهيكلة: حيث تم تحويل المراكز الجهوية للاستثمار إلى مؤسسات عمومية لها مجلس إداري يرأسه السيد الوالي ويراقب ماليتها مندوب للحكومة، كما نص القانون على مهام واختصاصات هذه المراكز في مجال المساهمة في تنمية الاستثمارات وتشجيعها وتحفيز المقاولات ومواكبتها والارتقاء بجاذبية الجهة لجلب وتشجيع الاستثمار.
2- إحداث اللجان الجهوية الموحدة للاستثمار: والتي جاءت لتجاوز الاعتلالات التي طبعت طرق اشتغال لجان الاستثمار السابقة، كتأخر دراسات الجدوى وتعقيدات مساطر استخراج وثائق التعمير وإكراهات العقار. لذلك، تم تجميع جميع اللجان المتفرقة في لجنة جهوية واحدة تحت رئاسة السيد الوالي لضمان المعالجة المندمجة لملفات الاستثمار على صعيد الجهة.
3- تبسيط المساطر والإجراءات: حيث جاء القانون بمقتضيات جديدة لتجاوز الإشكال المرتبط بعدم وجود تمثيليات للإدارات المعنية لدى الشباك الوحيد. كما استحدث قطبين بالمركز، الأول إجرائي مسطري تحت مسمى " دار المستثمر" والثاني خاص بالتسويق الترابي والذي يحمل اسم " قطب التحفيز الاقتصادي والعرض الترابي".
في ختام هذه المداخلة، تم فتح باب المناقشة أمام جميع الحاضرين، حيث سُجل تفاعل ايجابي مع مضامين هذه المائدة المستديرة، من خلال طرح مجموعة من الأسئلة قاربت إشكالية وصاية السلطة المكلفة بالداخلية على هذه المراكز وسؤال ملاءمة النصوص القانونية الأخرى مع مقتضيات القانون الجديد ومسألة الرقمنة والعلاقة بين اللامركزية الترابية والمراكز الجهوية للاستثمار وتكامل اختصاصاتها مع اختصاصات الجماعات الترابية الأخرى في مجال الاستثمار.
و قبل إنهاء أشغال هذا الملتقى العلمي، تمت تلاوة التقرير التركيبي لهذه المائدة المستديرة من طرف الطالب الباحث هشام قنا، طالب بماستر حكامة الجماعات الترابية والتنمية المستدامة.