محاضرة حول موضوع: التنزيل الترابي للسياسات العمومية

 


شهدت قاعة المناقشة برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير، يوم الاربعاء26مارس 2019، انطلاقا من الساعة التاسعة صباحا، إلقاء محاضرة من طرف المنسق الجهوي للتعاون الوطني بأكادير ، السيد محمد زهير، حول موضوع« التنزيل الترابي للسياسات العمومية »، وذلك بمبادرة من ماستر حكامة الجماعات الترابية والتنمية المستدامة الذي يشرف عليه الأستاذ الدكتور الحسين الرامي، وماستر تحليل وتقييم السياسات العمومية، الذي يشرف عليه الأستاذ الدكتور عبد الإله أمين.

 وتم افتتاح أشغال هذه المحاضرة بكلمة للأستاذ عبد الإله أمين، الذي رحب بالأستاذ المحاضر محمد زهير، شاكرا إياه على تلبية الدعوة لتأطير هذا اللقاء العلمي الأكاديمي الهام، مذكرا بالسياق الذي تندرج فيه هذه المحاضرة، وما تحتله السياسات الاجتماعية من حيز هام في السياسات العمومية بشكل عام.

 بعد ذلك أعطى الكلمة للأستاذ محمد زهير، الذي تقدم بشكر خاص الى السادة الأساتذة وإلى جميع الطلبة الحاضرين، على الترحيب وحسن الاستقبال، معبرا عن سعادته لإتاحته هذه الفرصة من أجل تقاسم حصيلة التجربة الميدانية الطويلة التي خاضها في مجال تنزيل السياسات الاجتماعية خاصة على مستوى مؤسسة التعاون الوطني.

 وفي بداية مداخلته أشار السيد المنسق الجهوي الى أن السياسات العمومية هي: « مجموعة من التدابير والاجراءات التي يقوم بها الفاعلون استجابة لحاجيات الفئات المستهدفة ».

و عادة ما تكون هذه السياسات العمومية في يد الفاعل السياسي الذي هو صاحب القرار، مستحضرا مقولة للفارابي مفادها أن:« الفضيلة الأولى للسياسي هي تحقيق العدالة الاجتماعية».

 فالسياسة العمومية الناجحة هي التي تأخذ حاجيات المواطن بعين الاعتبار، مما يساعد على الاستقرار وتشجيع الاستثمار وبالتالي تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحسين مستوى عيش الساكنة.

 وبعد تقديم هذا المدخل، أشار إلى أن الهرم السكاني المغربي يعاني من الهشاشة بنسبة 78% ويتشكل من عدة فئات غير متجانسة (الاطفال المشردين، النساء في وضعية صعبة، الاشخاص المعاقون، المسنون دون سند عائلي).

والسياسات العمومية الاجتماعية، يجب أن تأتي بحلول للمشاكل التي تعاني منها هذه الشرائح الاجتماعية.

 غير أن السياسات العمومية تختلف من ظرفية إلى أخرى، وحسب المرجعية الايديولوجية للطبقة الحاكمة، فالفكر الاشتراكي يعطي الاولوية للرعاية والحماية الاجتماعيتين، في حين ان الفكر الليبرالي يعطي أهمية بالغة للشأن الاقتصادي بالدرجة الاولى، وبالتالي فالقبعة السياسية هي التي تحدد السياسات العمومية التي تسود.

و ينتج عن هذا التباين في تحديد الاولويات، عدم استمرارية تنفيذ السياسات العمومية بحيث كلما حل وزير محل وزير اخر الا وغير سياسة القطاع الذي يشرف عليه، وهذا فيه هدر للمال والجهد والوقت.

 وحول السياق الذي خرجت فيه مؤسسة التعاون الوطني الى حيز الوجود، اشار الاستاذ المحاضر الى ان المغرب خرج من الحقبة الاستعمارية كدولة منهكة وضعيفة تتسم بالهشاشة على جميع المستويات ولا سيما على المستوى الاجتماعي.

 وكانت من بين المؤسسات الثلاث الاولى التي احدثها المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه غداة الاستقلال، مؤسسة الجيش، والامن الوطني والتعاون الوطني.

و قد أثرت التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهده المغرب لاحقا في تحول وتراجع دور الدولة على المستوى الاجتماعي.

ففي بداية الثمانينات عاش المغرب ازمة اقتصادية خانقة بحيث لا تملك الدولة ما تسدد به ديونها الخارجية وفواتير القمح المستورد، ما جعلها امام خيارات صعبة تتمثل فيما يلي:

-   إما رفض أداء الدين مع ما يترتب عن ذلك من عقوبات وعواقب وخيمة.

-   أو إعادة جدولة الديون.

-   أو الخضوع لإملاءات البنك الدولي.

و قد اختار المغرب الخيار الثالث، وطبق برنامج التقويم الهيكلي الذي كان سببا رئيسيا في ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، وفرض الضريبة على القيمة المضافة، وارتفاع نسبة البطالة.

 وبعد تطبيق هذه الإجراءات وغيرها، أصبح المغرب تلميذا مجتهدا للبنك الدولي، واستمر الوضع على ما هو عليه الى اواسط التسعينات (1995) حين انعقاد مؤتمر كوبن هاكن بالدانمارك، والذي جاء بنوع من التشجيعات لفائدة المغرب لاسيما على مستوى الاستفادة من الدعم العمومي الخارجي، بحيث ظهرت عدة برامج من قبيل برنامج الكهربة القروية الشامل (PERG) وبرنامج تزويد العلم القروي بالماء الصالح للشرب (PAGER)...الخ.

و بعد تولي الملك محمد السادس لسدة الحكم بالمغرب سنه 1999، ظهرت عدة تحولات ايجابية في المغرب بحيث توسعت دائرة الحريات العامة والانفتاح على المجتمع والقطع مع الممارسات القمعية السابقة وجبر الضرر بالنسبة للمتضررين في ما سمي بسنوات الرصاص، مع احداث مؤسسات دستورية مهتمة بالحقوق والحريات من قبيل المجلس الوطني لحقوق الانسان، وظهور المفهوم الجديد للسلطة الذي يجعل المواطن في قلب اهتمامات السياسات العمومية المتبعة من طرف الدولة.

 ورغم، هذا الانفراج على مستوى الحقوق والحريات الا انه على المستوى الاقتصادي، أبان النموذج التنموي المغربي عن محدودية نتائجه ان لم نقل عن فشله، بحيث أن هناك اختلالات واضحة على مستوى تقسيم الثروة والعناية بالعنصر البشري وهذا ما ادى الى تبني سياسات اجتماعية جديدة علها تساهم في التخفيف من الفوارق الاجتماعية والمجالية المسجلة على مجموع التراب الوطني وفي مقدمتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وصندوق التكافل الاجتماعي ونظام المساعدة الطبية وغيرها من البرامج والمخططات ذات الصبغة الاجتماعية.