محاضرة في موضوع: التعمير الاستثنائي

 


بتاريخ 22 مارس 2019 بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير، قدم الباحث عبد اللطيف أكناو مداخلة لفائدة طلبة ماستر حكامة الجماعات الترابية والتنمية المستدامة، حول موضوع « التعمير الاستثنائي »، والتي تناول فيها محورين رئيسيين كالآتي:

المحور الأول : مدخل عام حول التعمير

المحور الثاني: المسطرة الاستثنائية لدراسة مشاريع الاستثمار

المحور الأول : مدخل عام حول التعمير

خلال هذا المحور قدم المتدخل تعريفا للتعمير باعتباره مجموعة من الإجراءات والتدخلات التقنية والقانونية التي تقوم بها الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية من اجل تحقيق نمو متناسق ومنسجم للكتل العمرانية ومراقبة كيفية استعمالها.

فالتعمير هو بمثابة علم، لأنه ينبني على ضوابط ومعايير وقواعد تقنية نابعة من المنظور الهندسي، وعلى قواعد قانونية تسمح للسلطات العمومية بمراقبة واستعمال المجال الترابي. وفي الوقت نفسه فهو فن لارتباطه بعمليات الإبداع والابتكار حيث الحاجة الملحة لضرورة استحضار الجانب الجمالي في تشييد العمران. فضلا عن كونه يندرج ضمن السياسات العمومية للدولة لكونه يعتبر وسيلة يتم وضعها لتحقيق عدة أهداف تخدم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية.

أهداف التعمير

للتعمير عدة أهداف ذكر منها:

أهداف اجتماعية: من خلال السعي إلى تمكين السكان بكل شرائحهم من العيش في إطار إنساني ملائم عبر تجهيز المجالات العمرانية بالتجهيزات الأساسية قصد المساهمة في تقليص الفوارق الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية.

أهداف اقتصادية: عبر إرساء وثائق تعميرية تضمن التوزيع المتوازن للأنشطة الاقتصادية والصناعية، وتوفير البنية التحتية لهذه الأنشطة من تجهيزات أساسية ومرافق وخلق مناطق صناعية قادرة على استقطاب رؤوس الأموال وتنمية وتشجيع الاستثمارات.


أهداف جمالية: بضمان تنسيق وتنظيم المجال العمراني والعمل على انسجامه

وثائق التخطيط الحضري

الوثائق التوجيهية:

مخطط توجيه التهيئة العمرانية،

يتم إعداد مشروع المخطط التوجيهي للتهـيئة العمرانية بمسعى من السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير وبمساعدة من الجماعات الترابية المعنية.

و تحيل السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير مشروع المخطط التوجيهي الذي تم إعداده إلى مجالس الجماعات الترابية المعنية التي لها أن تبدي، داخل أجل ثلاثة أشهر يبتدئ من تاريخ إحالة المخطط إليها، ما تراه في شأنه من اقتراحات تتولى الإدارة دراستها بمشاركة المجالس الجماعية التي يعنيها الأمر.

 وإذا لم تبد هذه المجالس أي رأي داخل هذا الأجل فإن سكوتها يحمل على أن ليس لها أي اقتراح في موضوع المخطط المحال إليها.

و يجب على الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العامة وعلى أشخاص القانون الخاص المعنوية التي يكون رأسمالها بأجمعه مملوكا للدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العامة أن تتقيد بأحكام مخطط توجيه التهيئة العمرانية.

كل مشروع تجزئة أو مجموعة سكنية أو مشروع بناء لا يمكن الإذن في إنجازه، في حالة عدم وجود تصميم تهيئة أو تصميم تنطيق، إلا إذا كان لا يتنافى والأحكام المقررة في مخطط توجيه التهيئة العمرانية المتعلق بالمناطق العمرانية الجديدة والأغراض العامة المخصصة لها الأراضي الواقعة فيها.

ب- الوثائق التنظيمية

تصميم التنطيق plan de zonage

يعتبر وثيقة تعميرية انتقالية الهدف منها ملء الفراغ الذي يمكن أن يحدث ما بين تاريخ إنجاز مخطط توجيه التهيئة العمرانية وتاريخ وضع تصميم التهيئة، ويهدف هذا التصميم إلى تمكين الإدارة والجماعات الترابية من اتخاذ التدابير التحفظية اللازمة لإعداد تصميم التهيئة والحفاظ على توجيهات مخطط توجيه التهيئة العمرانية.

يشتمل تصميم التنطيق على ما يلي:

-  تحديد تخصيص مختلف المناطق للأغراض التي يجب أن تستعمل لها: منطقة سكنية، منطقة صناعية، منطقة تجارية، منطقة سياحية، منطقة زراعية، منطقة غابوية على سبيل المثال

-  تحديد المناطق التي يحظر فيها البناء بجميع أنواعه ؛

-  تعيين المواقع المخصصة لإقامة التجهيزات الأساسية والاجتماعية كالطرق الرئيسية والمستوصفات والمدارس والمساحات الخضراء ؛

تصميم التهيئة Plan d'aménagement

 يهدف تصميم التهيئة إلى تحديد تخصيص مختلف المناطق بحسب الغرض الأساسي الذي يجب أن تستعمل له، وتحديد الضوابط المطبقة على البناء في كل منطقة من المناطق التي يشملها التصميم، وتحديد المناطق التي يحظر فيها البناء بجميع أنواعه ؛

 يمكن إعداد تصميم التهيئة لجميع أو بعض:

* الجماعات الحضرية ؛

* المراكز المحددة ؛

* المناطق المحيطة بالجماعات الحضرية والمراكز المحددة ؛

* المجموعات العمرانية: غير أنه لا يمكن وضع تصميم تهيئة لجزء من مجموعة عمرانية إلا إذا كانت هذه المجموعة مغطاة بمخطط لتوجيه التهيئة العمرانية.

* للمناطق ذات صبغة خاصة: أي جميع أو بعض أراضي جماعة قروية أو جماعات قروية ذات صبغة خاصة (سياحية أو صناعية أو منجمية) يستوجب تطورها المرتقب أن تكون تهيئتها محل مراقبة إدارية.

و تترتب عن تصميم التهيئة عدة آثار يمكن إجمالها فيما يلي:

ابتداء من تاريخ اختتام البحث العلني وإلى حين صدور النص القاضي بالمصادقة على مشروع تصميم التهيئة، لا يجوز الإذن في أي عمل من أعمال البناء والغرس وإحداث تجزئات أو مجموعات سكنية إذا كان يخالف أحكام ذلك المشروع.

إذا لم يتم نشر النص القاضي بالمصادقة على مشروع تصميم التهيئة خلال أجل إثنى عشر شهرا يبتدئ من تاريخ اختتام البحث العلني المتعلق به فإن أحكام المشروع تصير غير لازمة التطبيق.

يعتبر النص القاضي بالموافقة على تصميم التهيئة بمثابة إعلان عن المنفعة العامة.

تنتهي الآثار المترتبة على إعلان المنفعة العامة عند انقضاء أجل 10 سنوات يبتدئ من تاريخ نشر النص القاضي بالموافقة على تصميم التهيئة في الجريدة الرسمية،

وعندما يستعيد ملاك الأراضي التصرف في أراضيهم فور انتهاء الآثار المترتبة على إعلان المنفعة العامة يجب أن يكون استعمال تلك الأراضي مطابقا للغرض المخصصة له المنطقة التي تقع فيها.

يمكن أن يكون تصميم التهيئة بمثابة قرار تعين فيه الأراضي المراد نزع ملكيتها.

المحور الثاني: المسطرة الاستثنائية لدراسة مشاريع الاستثمار

السياق العام لظهور الاستثناء في مجال التعمير

 كلما كانت القاعدة القانونية لا تسعف لتجاوز التحولات الاجتماعية أو مواكبة مستجداتها، كان الرجوع إلى الاستثناء ضرورة من أجل الاستجابة لمتطلبات التنمية الاقتصادية.

يقصـد بالاسـتثناءات فـي مجـال التعميـر الرخـص الممنوحـة لمشـاريع غيـر منصـوص عليهـا فـي وثائـق التعميـر الخاصة بمنطقـة معينـة.وقد فرض الاستثناء اليوم نفسه في ميدان التعمير، خاصة مع قلة لجوء المشرع إلى مراجعة وتحيين وثائق التعمير والمقتضيات القانونية المنظمة له.

وعلى الرغم من أن مسطرة الاستثناء لم يتم إقرارها إلا بدورية، فإنها مع ذلك سمحت بتصحيح عدد من الاختلالات الموجودة في تصاميم التهيئة، وساهمت في تسوية وضعية مجموعة من المشاريع الاستثمارية التي ما كانت لترى النور لولا هذه المسطرة.

 وكنماذج على اعمال مسطرة الاستثناء في مجال التعمير نورد ما يلي:

صدور دورية مشتركة بين وزارة الداخلية والوزارة المكلفة بالإسكان رقم 352/337 د بتاريخ 12 يونيو 1995 من أجل تسليم رخص استثنائية للمشاريع الداخلة في إطار البرنامج الوطني لبناء 200 ألف سكن.

اللجان المكلَّفة بدراسة طلبات إحداث التجزئات العقارية والأبنية على المستوى المحلي، المعروفة باسم لجان الطرق، غالبا ما تلجأ إلى إعمال مسطرة الاستثناء.

الجهود التي بذلتها السلطات العمومية في مجال إعادة هيكلة الأحياء غير المنظمة: حيث اعتمدت الإدارة ضمنيا دون التصريح بذلك تدبيرا عمرانيا مبنيا على الاستثناء.

و يجب أن تساهم مشاريع الاستثمار التي يمكن أن تستفيد من الاستثناءات في مجال التعمير، في خلق رواج اقتصادي وإتاحة فرص للتشغيل أثناء إنجاز المشروع، وجلب استثمارات مالية مهمة.

و على المستوى الاجتماعي ينبغي ان تساهم تلك المشاريع في انجاز برامج سكنية في إطار محاربة السكن غير اللائق أو مرافق عمومية.

2_ الإطار القانوني للاستثناءات في ميدان التعمير

 يعـود العمـل بالاسـتثناء فـي مجـال التعميـر إلـى سنوات السـبعينات، ولكنـه لـم يقنـن إلا فـي فبرايـر 1999، بصـدور الدوريـة 254 عـن وزارة إعـداد التـراب والبيئـة والسـكنى، والدوريـة رقـم 622 الصـادرة فـي مـاي 2001. وقـد أعبقتهمـا دوريتـان وزاريتـان مشـتركتان، وهمـا علـى التوالـي الدوريـة رقـم 3020/27 فـي مـارس 2003، والدوريـة رقـم 10098/31 فـي يوليـوز 2010.

و يُبرَّر اللجوء إلى إعمال هذه المسطرة بافتقار وثائق التعمير للمرونة واتسامها بالتصلب والصرامة، وعجزها عن إدماج الحاجيات الطارئة سواء للسكان أو المستثمرين.

و تم تدريجيا الانتقال من المعالجة المركزية لملفات طلبات الاستثناء، إلى معالجة لاممركزة على يد لجنة جهوية مُحدَثة لهذا الغرض برئاسة الوالي.

ومع ذلك، ما زالت هذه المسطرة تعتريها بعض النقائص، نظرا لغياب التنصيص الدقيق على الشروط التي يجب أن تستوفيها المشاريع كي تستفيد من مسطرة الاستثناء في مجال التعمير، مع تحديد المسالك والمعايير المعتمَدة في منح الاستثناءات.

ظلت السلطات العمومية دائما تشدِّد على الطابع المؤقت والانتقالي لمسطرة الاستثناء في مجال التعمير. ولم تتوقف النقاشات حول الأساس القانوني للاستثناء ومساطره ومنطقه وآثاره.

التمظهرات الاقتصادية والمجالية للاستثناء في مجال التعمير

لاشك أن الاستثناءات في مجال التعمير قد ساهمت في تخطي العقبات التي كانت تعترض مئات المشاريع المتعثرة وأيضا في خلق الثروة، مما انعكس إيجابا على برامج السكن الاجتماعي وأدى إلى بث الدينامية في سوق العقار. ومع ذلك، تظل الدينامية المترتبة عن ذلك هشة.

بيد أن إلغاء أو تقليص المساحات المخصصة للمرافق العمومية والمساحات الخضراء يدل على أن المقاربة المعتمدة في دراسة ملفات الاستثناء لا تؤدي إلى ضمان استدامة الاستثمارات.

وتدق هذه الوضعية ناقوس الخطر، إذا علمنا أن الدراسات قد بينت أن نحو %65 من المدن المغربية توفر أقل من متر مربع من المساحات الخضراء لكل فرد، بينما تحدد المنظمة العالمية للصحة كمعيار 10 أمتار مربعة للشخص الواحد.

ويؤدي الإفراط في اللجوء إلى مسطرة الاستثناء إلى خلق هوامش حضرية تشكل نشازا في النسيج العمراني العام وتؤدي إلى خلق التمايز المجالي وعدم الانسجام السوسيو-اقتصادي والمعماري والبيئي، وتولد الشعور بالحيف والتهميش.

 خلاصة

إن تشجيع الاستثمار العقاري لن يتحقق إلا إذا واكبته سلسلة من الإصلاحات القانونية والتنظيمية، كتبسيط المساطر الإدارية، ووضوح الأنظمة العقارية، الإصلاح الجبائي …، بهدف الوصول إلى اعتماد وثائق تعمير مواكبة لسياسة التجديد والتأهيل المجالي في شكل مشاريع حضرية متنافسة، بغية تحفيز وتعبئة الفاعلين والتخطيط المحكم لبناء مجالات منفتحة على التنافسية الجهوية.

الاستثمار العقاري يجب أن يراعي تحقيق نوع من التوازن بـين المصالح المادية للمستثمرين والمصالح العامة التي يرجى الحصول عليها من وراء هذا الاستثمار في هذا المجال البالغ الحساسية.

إن مكانة وثائق التعمير يجب أن تكون هي أساس العمل المستقبلي الذي يركن إليه المستثمرون والمنعشون العقاريون على حد سواء، لأنها تحدد ارتفاقات المجال برمته ومختلف التخصيصات الواردة ضمنه بشكل واضح، إلا أنه في الواقع يحتاج إلى تكييف أكبر ليساير الحركية التي يعرفها الاستثمار العقاري.

وفي هذا الإطار يمكن القول أنه بقدر ما تمكن وثائق التعمير التنظيمي من تحديد مجالات الاستثمار المرتبطة بالتعمير، بقدر ما تضيق الخناق في هذه الاختيارات لصالح ثلة من المستثمرين لها القوة والسلطة لتمرير الاختيارات الموافقة لها على أعلى مستوى في هرمية الدولة ومؤسساتها، وبالتالي يظهر أن تجربة ''آلية الاستثناء في التعمير'' تعاكس التوجهات الاستراتيجية للتهيئة العمرانية، وتضع المدينة أمام تحديات متعددة الأبعاد (التوسع العمراني، التمويل وربط التجهيزات، والتنقل الحضري...)، مما يضرب في العمق عملية التأطير العمراني، والتي يتوخى من ورائها الفعالية الاقتصادية، الإدماج الاجتماعي، والاستدامة البيئية.