ندوة وطنية حول موضوع : حدود تقاطع قانون التعمير وقانون نزع الملكية من أجل المنفعة العامة

 


احتضنت قاعة فلوريدا بجماعة التمسية يوم السبت 16 نونبر 2019 ندوة علمية وطنية حول موضوع  حدود تقاطع قانون التعمير وقانون نزع الملكية من أجل المنفعة العامة” . هذا النشاط العلمي الحافل الذي تعاون في تنظيمه كل من مختبر القانون والمجتمع وفريق البحث في القانون العام والحكامة التابعة لكلية الحقوق أكادير والمركز المغربي للدراسات وتحليل السياسات وجماعة التمسية وتنسيقية جمعيات المجتمع المدني بجماعة التمسية، شهد مشاركة أكثرمن 270 شخصا يمثلون مختلف المتدخلين في مجال التعمير من أكاديميين وقضاة ومحامين ومنتخبين وموظفين بالمصالح الخارجية والجماعات الترابية ومجتمع المدني .

واتسمت المواضيع التي تناولتها هذه الندوة بالدرس والتحليل بالتنوع والوظيفية وحاولت المداخلات مقاربة أهم الإشكالات القانونية والعملية التي يشهدها مجال التعمير .

الجلسة العلمية الأولي:

انطلقت الجلسة الاولى على الساعة العاشرة والنصفصباحا، و ترأسها الدكتور الحسين الرامي استاذ باحث بكلية الحقوق بأكادير و رئيس المركز المغربي للدراسات وتحليل السياسات. وتضمنت الجلسة أربع مداخلات، ألقاها كل من الاستاد : د. أحمد اجعون ود. إبراهيم الكعبوري و د. عبد الرزاق ايوب ثم د. المصطفى المرضي و تولى الطالب الباحث ططي سعيد مهمة التقرير.

في المداخلة الاولى المعنونة ب " الاشكاليات العملية الناتجة عن نزع الملكية بواسطه وثائق  التعمير" بين الاستاذ اجعون ان نزع الملكية يعتبر "قدرا لا راد له" وتطرق الى الاشكاليات العملية التي يثيرها اعتبار المرسوم القاضي بالموافقة على تصميم التهيئة بمثابة اعلان عن المنفعة العامة،  كما تطرق الى الاشكاليات التي يثيرها انتهاء الاثار المترتبة عن اعلان المنفعة العامة لهذا المرسوم عند انقضاء اجل العشر سنوات المنصوص عليها في المرسوم والتي تبدا من تاريخ نشر النص القاضي بالموافقة على تصميم التهيئة بالجريدة الرسمية. كما بين الاختلاف بين مقتضيات المادتين 28 و29 من القانون 12,90 المتعلق بالتعمير وابرز  أهم الاشكاليات التي يثيرها اعتبار تصميم التهيئة بمثابة قرار نزع الملكية ومقررا للتخلي تعين فيه العقارات المراد نزع ملكيتها، سواء في الجانب المسطري او في جانب المضمون، و بين أيضا توجه  العمل والاجتهاد القضائي في هذا الميدانو أكد أن القضاء يجب ان يتشدد عند عدم احترام مسطرة نزع الملكية وأن يراعي ذلك عند تقدير التعويض في اطار الاعتداء المادي لكونه عمل اداري لم يحترم مسطرة نزع الملكية. وخلص الاستاد المتدخل الى أن توجه القضاء في ميدان الاعتداء المادي القاضي بنقل الملكية الى الادارة المعتدية بناء على نظرية الاثراء بلا سبب لا يستقيم ومقتضيات وروح القانون المتعلق بنزع الملكية للمنفعة العامة.

وتطرقت مداخله الاستاذ، ابراهم الكعبوري في مداخلة مشتركة مع الاستاد احمد مالكي تحث عنوان : " المساهمة المجانية ومساله نزع الملكية من خلال المادة 37 من قانون التعمير"الى عدم دقة المادة وتداخلها مع مقتضيات أخرى، مما يثير العديد عدة اشكاليات في تطبيقها، خاصة ما يتعلق باحتساب المسافة التي تعتبر مساهمة مجانية واحتساب التعويض ضمن العقار المنزوع ملكيته، كما بين توجه القضاء في مسالتي المساهمة المجانية  وطريقة احتساب التعويض، وبالموازاة مع ذلك قدم عده اقتراحات لتعديل المادة 37 من قانون التعمير12,90 . كما اعتبر الاستاذ الباحث أن المشرع منح هده الامكانية  في اطار نزع الملكية وليس في اطار الاعتداء المادي ولا يمكن ان تستفيد منه الا دارة ادا احترمت مسطرة نزع الملكية.

وتطرقت المداخلة الثالثة  التي القاها الاستاذ عبد الرزاق أيوب استاذ باحث بكليه الحقوق بأكادير الى" الاعتداء المادي على الملكية العقارية الخاصة." حيث قدم  تعريف الاعتداء المادي ومصدره وبين المستفيد منه و اكد ان اشخاص القانون الخاص يمكن ان يستفيدوا من موضوع دعوى الاعتداء المادي  في حالة تسيرهم للمرفق العمومي ولجوئهم الى نزع الملكية في اطاره ، وتطرق الى الاختصاص القضائي وخاصة  الاختصاص النوعي ومجال تدخل القضاء الاستعجالي في هذا الميدان

وقام بتحليل مقتضيات المادة 25 من قانون المسطرةالمدنية التي تمنع وعلى المحاكم أن تنظر ولو بصفه تبعيه في كل ما يمكنه ان يعرقل عمل الإدارة والمرفق العام وقام بتقديم بعض  الاجتهادات  القضائية اعتبرت فيها المحاكم الإدارية ان هده المقتضيات لا تهم المحاكم الإدارية بل تسري فقطعلى  المحاكم العادية وبين توجه  الاجتهاد القضائي الاداري في ما يتعلق بالتعويض عن الاعتداء المادي حيث ان هناك توجها ينص على اعتبار هذا التعويض ممنوح على اساس قواعد المسؤولية الإدارية طبقا للفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود. واعتبر ان الاعتداء المادي يجرد تصرف الادارة العمومية من هده الصفةكما بين التوجه الذي يعتبر ان الاعتداء المادي خطا ماديا واكد أن الادارة لا تنفصل عن عملها وبالتالي فان الاعتداء المادي يعتبر نشاطا اداريا، و بين كيف ان القضاء الاداري يستبعد تطبيق الفصل 106. المتعلق بالتقادم في هذا المجال، حيث بين ان القضاء الاداري يعتبر ان الاعتداء المادي مستمر في الزمان.

وتطرق الاستاذ ايضا الى واذا توجه القضاء نحو تحقيق التوازن  بين رافع الطلب الذي وقع عليه الاعتداء المادي والذي يجب ان يستفيد من التعويض المادي وبين مصالح المرفق العمومي حيث بين ان القضاء رفض ارجاع الحال الى ما كان عليه في حاله وجود مرفق عمومي قائما بذاته كما أشار ايضا الى توجه القضاء في ما يتعلق برفض طلبات ايقاف الاشغال، وخلص المتدخل  الى اشكاليه نقل ملكيه العقار موضوع  الاعتداء المادي واعتبر ان توجه  المحاكم الإدارية  غير موحد في هذا المجال، وقدم من خلال بعض الاحكام من يرفض نقل الملكية و من يقبل بنقلها بناء على تطبيق نظريه الاثراء بلا سبب.

 

 و تطرقت المداخلة الأخيرة في هذه الجلسةالى "ضوابط تقييد سند  نزع الملكية بين النص القانوني والواقع العملي "والقى المداخلة الاستاذ مصطفى المرضي استاذ باحث بكليه الحقوق بفاس ومحافظ على  الاملاك العقارية سابقاوقسم المداخلة الى قسمين تناول في القسم الاول الضوابط التي تؤطر تقييد سند الملكية خلال المرحلةالإدارية ثم تطرقه في القسم الثاني الى الضوابط التي تقيد هذه العملية خلال المرحلةالقضائية.

وبين ان المبدأ العام الذي ينص عليه ظهير التحفيظ العقاري والقاضي بان التشطيب يكوم بحكم قضائي او قرار للسلطة نازعه الملكية، كما بين الاشكاليات التي يطرحها تطبيق المادة 4 من مدونة الحقوق العينية من جهة و مقتضيات المادة 42 من القانون المتعلق بنزع الملكية.و الفصل السابع من المرسوم التطبيقي لهدا القانون واشار الى الزامية تطبيق القاعدة التي تنص على ان النص الخاص يقيد تطبيق النص العام

وقدم المتدخل عدة اجهادات القضائية خاصه حكم المحكمةالإداريةبوجده التي قامت بإلغاء قرار المحافظ. القاضي بتقييد العقود في اطار الفصل 140كما بينا ايضا بعض المقتضيات التي جاءت بها دوريه المحافظ العام في هذا الاطار.

وفي القسم الثاني تطرق الى تدخل المحافظ بعد صدور الاحكام القضائية. و بين ان المادة 58 تنص على ضرورة توفر طالب تقييدي على ملف تقني وهو ما يثير الإشكالية عندما يتعلق الامر بالبيع والقسمة بالتراضي، كما ان بعض الاجتهادات القضائية ايدت قرار المحافظ برفض التقييد في هذه الحالة وبين ايضا كيف ان مشروع القانون 04.04 اقترح تعديلات تتعلق باستثناء عمليه نزع الملكية من تطبيق مقتضيات المادة 158، كما تطرق المتدخل ايضا الى  الاشكالات التي يثيرها نزع الملكية الجزئي

بين الإشكاليات التي تثيرها المادة 17 من مرسوم 2017 التي تلزم عملية التقسيم بملف التجزئة او التصميم التقني،و تطرق في الاخير الى مشكله الاداء. وبين ان ظهير 1942 الذي ينص على الاعفاءات لا يسعف  الادارات العموميةفي الاعفاء من اداء رسوم خدمات المحافظة كما اكد ان الاساس القانوني لهذا الاعفاء هو رساله الوزير الاول 1771 / 2013 واكد على ضرورة  تعديل مقتضيات القانون في هذا الصدر

وقام بتحليل الاشكاليات التي يطرحها تطبيق الاحكام القاضية بالتعويض و اختم مداخله بعدد من الاقتراحات.أهمها :

عدم الغاء مطلب. التحفيظ الابعد. سنتين من الاعلان، في

الجريدةالرسمية

توحيد محاضر وعقود الاتفاقات بالتراضي ووضع وكالات نموذجيه.

تعديل المادة 58 من القانون 25 90 باستثناء نزع الملكية من الترخيص المسبق

وتعديل مرسوم 18 يونيو 2016. بان تستني عمليات نزع الملكية من الاداء.

واختتمت الجلسة بمناقشه همت طرح عده أسئلة في مجال تدخل القاضي في ميدان الاعتداء المادي وتوجهات القضاء وعدم انسجام احكام المحاكم خاصة على صعيد محكمه النقض، في موضوع نقل الملكيه المبني على نظرية الاثراء بلا سبب.

 وهمت ايضا المناقشات،  قيمة التعويض عن نزع الملكيةوالمساهمةالمجانية. وايضا تنفيذ الاحكام القضائية، في اطار المادة 29 و 30 من قانون نزع الملكية و حدود وكيفيه تحديد التعويضات، وشمولالتعويض للضرر المادي والمعنويواثارعدم اكتمال مسطرة نزع الملكية على سندات الملكية و سير المرافق العمومية.

 

الجلسة العلمية الثانية

انطلقتأشغال الجلسة العلمية الثانية على الساعة 11 والنصف برئاسة د. محمد العلمي أستاذ باحث بكلية الحقوق باكادير و عبرفي  كلمنه عن شكره للأساتذة المشاركين في أشغال هذه الندوة وكذا الحاضرين كل باسمه وصفته، قبل أن يمرر الكلمة  للأساتذة المتدخلين في هذه الجلسة العلمية و هم   :

د. عبد الكريم حيضرة أستاذ باحث بكلية الحقوق مراكش، حول موضوع تطور الرقابة القضائية في مادة نزع الملكية: مقررات الإعلان عن المنفعة العامة نموذجا.

د. ادريس الحياني ود.اسماعيل ابوياسين أستاذين باحثين بكلية الحقوق أكادير، حول موضوع مقاربة قانونية للمسؤولية الجنائية في قانون التعمير وقانون التجزئات العقارية.

د. ادريس كركين أستاذ باحث بكلية الحقوق ايت ملول، حول موضوع إشكالات تنفيذ الأحكام في مادة نزع الملكية.

د. اليوسفي العلوي محمد أمين  دكتور في القانون الخاص، حول موضوع دعوى التشطيب عل مشروع نزع الملكية من السجلات العقارية.

و يمكن ايجاز محاور و مضامين هذه المداخلات على النحو التالي :

المداخلة الأولى من الجلسة العلمية الثانية: د. عبد الكريم حيضرة أستاذ باحث بكلية الحقوق مراكش، حول موضوع تطور الرقابة القضائية في مادة نزع الملكية: مقررات الإعلان عن المنفعة العامة نموذجا.

          تناول د. عبد الكريم حيضرة بالتحليل والمناقشة موضوع تطور الرقابة القضائية في مادة نزع الملكية: مقررات الإعلان عن المنفعة العامة نموذجا، حيث انطلق الأستاذ المتدخل من مفهوم المنفعة العامة باعتبارها محور مسطرة نزع الملكية، وذلك على اعتبار أن بدون منفعة عامة لا يجوز المساس بقدسية حق الملكية المضمون دستوريا، على الرغم من عدم قيام المشرع بتعريفها حيث ترك مسألة تعريفها للفقه والقضاء. ثم بين  التنظيم التشريعي لمسطرة نزع الملكية وذلك من خلال القانون 81.07 الصادر بتاريخ 06 ماي  1982 وكذا المرسوم التنظيمي له الصادر سنة 1982، حيث ميز في إطار مسطرة نزع الملكية ما بين مرحلتين:

مسطرة إدارية والتي تتميز بصدور قرارين إداريين، الأول يتخذ شكل مرسوم وهو مرسوم الإعلان عن المنفعة العامة، والثاني هو مقرر التخلي  الذي يتخذ داخل أجل سنتين بعد نشر مرسوم الإعلان عن المنفعة العامة  مع  إمكانية الجمع بين القرارين في قرار واحد وذلك في حالات الاستثناء.

مسطرة قضائية والتي بدورها تتميز أيضا بدعويين، الأولى هي دعوى الأمر بنقل الحيازة والتعويضات المؤقتة التي يعود الاختصاص فيها إلى رئيس المحكمة الإدارية بوصفه قاضيا للمستعجلات أو من ينوب عنه حسب مقتضيات المادة 19 من قانون إحداث المحاكم الإدارية، والدعوى الثانية هي دعوى نقل الملكية والحكم بالتعويضات النهائية.

بعد  هذا التمهيد حاول الأستاذ حصر إشكال إمكانية التدخل القضائي والقضاء الإداري في المرحلة الإدارية من خلال مرسوم الإعلان عن المنفعة العامة . حيث أشار الأستاذ  إلى أنه إذا كان د. أحمد أجعون يعتبر نزع الملكية قضاء وقدر ، فإنه يمكن رد هذا القضاء والقدر إذا ما تم الطعن في مرسوم الإعلان عن المنفعة العامة. فبعد أن كان القضاء الإداري  في مادة نزع الملكية إلى عهد قريب يمتنع عن مراقبة السلطة التقديرية للإدارة بل كان يكتفي بإلقاء نظرة سطحية ومجردة على مدى توفر عنصر المنفعة العامة ليقضي بصحة مرسوم الإعلان عن المنفعة العامة دون التوغل في الظروف المحيطة لهذه العملية وهو ما زكته العديد من الأحكام والقرارات القضائية، غير أن تنوع النشاط الإداري وتطور المحيط السوسيو-قانوني ككل سوف يجعل هذا التوجه غير مبرر إذ أصبح القضاء الإداري اليوم يراقب السلطة التقديرية للإدارة وأصبح لا يتردد في إلغاء مرسوم المنفعة العامة وذلك عن طريق تبني نفس الحلول التي تبناها القضاء الإداري الفرنسي في مادة نزع الملكية.

وتبقى نظرية  الموازنة بين سلبيات القرار وإيجابياته من بين أهم الحلول التي تبناها القضاء الإداري المغربي لإلغاء مراسيم المنفعة العامة، حيث أن القاضي الإداري يقارن ما بين المنافع والمضار المترتبة عن قرار إعلان المنفعة العامة ولا يلغي القرار إلا إذا تبين له أن المضار تتفاوت بشكل جسيم وواضح مع مزايا القرار ولا يعتد سوى بتلك المفارقة المفرطة التي لا يتقبلها المنطق السليم، هذه النظرية التي شبهها الأستاذ  André de Laubadère  بقضايا التناسب في مادة الشرطة الإدارية، وأيضا شبهها البعض بالنظرية المعروفة في مادة العقوبة التأديبية وهي نظرية الغلو أو الخطأ الفادح في التقدير.

كذلك عمل الأستاذ د. عبد الكريم حيضرة في مداخلته على إبراز التطبيقات القضائية لنظرية الحصيلة أو الموازنة  التي ابتدعها الاجتهاد الفرنسي منذ بداية السبعينيات، وذلك بإعطاء أمثلة أحكام عن بعض القضايا المعروفة والتي عرضت على القضاء الإداري الفرنسي كقضية المدينة الشرقية لليل والتي أكد القضاء في الحكم الصادر بتاريخ 28/05/1971 على: " أنه لا يمكن أن تتوفر فيها المنفعة العامة إلا إذا كانت الأضرار التي تلحقها بالملكية الخاصة والتكلفة المادية التي يتطلبها انجاز المشروع والآثار الاجتماعية الناشئة عنه متوازنة مع ما ينشئه من منفعة"، على الرغم من أن القضاء الإداري الفرنسي في هذه القضية لم يلغ الإعلان عن المنفعة العامة فإنه مهد لنظرية الحصيلة ولإعطاء نفسه إمكانية في مراقبة السلطة التقديرية للإدارة وإلغاء قرار المنفعة العامة  وهذا ما تأتى بالفعل لاحقا في القضية المعرفة بقضية مستشفى الأمراض العقلية سنة 1972 وكان هذا الحكم الابتدائي هو الأول الذي صار عليه القضاء الإداري الفرنسي لاحقا، ليشير الأستاذ المتدخل إلى تجاوز القضاء الإداري فرنسي لنظرية الحصيلة والبحث عما إذا كانت الجهة نازعة الملكية تملك عقارات أخرى يمكن أن تنجز فيها مشروع موضوع نزع الملكية، إضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار مسألة المساس بالبيئة والاحتياجات الحقيقية للمنطقة، بل مد رقابته إلى الجوانب المالية والاجتماعية للمشروع المراد القيام به وما يترتب عنه من مصالح وأضرار سواء تعلق الأمر بالسلطة العامة أو المصالح الخاصة.

أما بالنسبة للقضاء الإداري المغربي في مادة الإلغاء ومنذ إحداثه سنة 1957 ( ظهير 27 سبتمبر 1957 ) المحدث للمحكمة النقض المجلس الأعلى سابقا، الذي أحدثه و جعل  من اختصاصاته الطعن في إلغاء المقررات الصادرة عن السلطات الإدارية، منذ هذا التاريخ تميز القضاء  الإداري تقريبا لمدة 40 سنة على عدم وجود اجتهادات كبيرة  في مادة نزع الملكية، وقد عرف القضاء الإداري تطورا مهما خصوصا مع منتصف التسعينيات حيث أصبح يطبق نظرية الحصيلة أو الموازنة بين المنافع والمضار تكرست في أحكام مبدئية معروفة " حكم ميموزا" على الرغم أنه في هذا الحكم، القاضي لم يلغ مرسوم الإعلان عن المنفعة العامة، ليتدارك ذلك في الحكم الصادر بتاريخ 07 ماي 1997 في القضية المعروفة باسم " قضية الحاج بوبكر بلعيسى الأبيض" والذي أسس لنظرية الحصيلة حيث لم تترد المحكمة الإدارية في إلغاء مرسوم الإعلان عن المنفعة العامة بعد أن أجرت فيه خبرة الموازنة بين المصالح والمضار وثبت لها أن التجزئة التي تنوي الإدارة القيام بها يمكن لهذا الشخص هو أيضا أن يقوم بها، وهو توجه يتماشى مع التوجه الحديث للقضاء الإداري بل يدل على وجود رغبة جامعة لتغيير التوجه القضائي بأخر حديث، وقد تم تكريس هذا التوجه بالعديد من القرارات القضائية اللاحقة .

ليخلص الأستاذ في نهاية مداخلته الى  أنه على الرغم من أن القضاء الإداري المغربي أخذ بنظرية الحصيلة أو الموازنة بين الملكية الخاصة والملكية العامة، إلا أنه لم يتجاوزها إلى إدماج باقي المصالح الأخرى كالمصالح الاجتماعية والثقافية والبيئية في الموازنة التي يقيمها كما فعل القضاء الإداري الفرنسي، كما أشار الأستاذ إلى ملاحظة جوهرية تتعلق بقلة الطعون في مراسيم الإعلان عن المنفعة العامة مقابل تنامي الطعون بالاستئناف بخصوص الأحكام الصادرة في الشأن المتعلق بالتعويض عن نزع الملكية وهنا يثار السؤال عن أسباب قلة الطعون في مراسيم الإعلان عن المنفعة العامة؟

المداخلة الثانية من الجلسة العلمية الثانية: د. ادريس الحياني ود.اسماعيل ابوياسين أستاذين باحثين بكلية الحقوق أكادير، حول موضوع مقاربة قانونية للمسؤولية الجنائية في قانون التعمير وقانون التجزئات العقارية.

تناول الأستاذان في مداخلتهما هاته الجانب الموضوعي والقواعد الإجرائية وذلك انطلاقا من إعطائهما مجموعة من الملاحظات الأولية على القانون 66.12 الذي جاء مجمعا لمختلف المقتضيات الزجرية المتناثرة في القانون الجنائي العام والنصوص الثلاث المنظمة لقطاع التعمير بالمغرب والمتمثلة في قانون 12.90  وقانون 25.90 والظهير الشريف رقم 1.60.62  الصادر بتاريخ 25/01/ 1960 بشأن توسيع نطاق العمارات القروية، إذ اعتبر الأستاذان  أن القانون 66.12  ليس بقانون مستقل بذاته و لم يتضمن مواد أصلية، بل هو عبارة عن تغيير ونسخ وتعويض لبعض مواد القوانين الثلاث بمقتضيات تتعلق برخص جديدة أو تنظيم الأوراش وكذا منظومة المراقبة وزجر المخالفات، ليعرج الأستاذان على قراءة  بعض المواد التي أتى بها والمتعلقة بخضوع الفعل المجرم لحالات الارتباط أي تربط فيما بين فعل محدد سلفا ومابين شرط ما، واعتباره يخالف قواعد القانون الجنائي لأن المتعارف عليه في القانون الجنائي أن المخالفة لا تحتاج لقيامها أو اقترانها وارتباطها بفعل آخر على اعتبار أنها عبارة عن أفعال ذات تركيبة بسيطة، وقد أعطى الأستاذان كمثال على ذلك المادة 64 من قانون التعمير التي ربطت بين الفعل وما بين شروط ارتكاب أفعال أخرى، هذه المادة تقوم بتجريم فعل ثم تأتي بشروط معينة تخالف قواعد القانون الجنائي على اعتبار أنها تؤدي إلى تشديد العقوبة وليس قيام الجريمة، ووقفا في مداخلتهما أيضا على تعبير معاينة المخالفة  الوارد في القانون 66.12 ومجموع القوانين الثلاث و تساءلا فيما إذا كانت مخالفات التعمير الواردة في هذه القوانين تعني جنح أم مخالفات؟ ليخلصا كإجابة على هذا السؤال بأن المخالفة الواردة في هذه القوانين ليست بجنحة لأن العقوبة عبارة عن غرامة تزيد عن الحد المحدد في القانون الجنائي على الرغم من أن هذا الأخير في تحديده لغرامة المخالفة  ليست بالقاعدة العامة في حالة وجود نصوص خاصة تقيده وهو ما جرى به العمل في هذا القانون.

كما عرض الأستاذان حالة العود في هذا القانون والتي جاءت مطابقة لنفس حالة العود بالنسبة للمخالفة في القانون الجنائي الواردة في الفصل 153 من ق.ج رغم أنها ستتحول من عقوبة الغرامة إلى عقوبة سالبة للحرية لن يتغير وصف الجريمة وستبقى مخالفة استنادا للفصل 112 من ق.ج، كذلك لحالة المشاركة باعتبارها حالات مضافة يعاقب عليها بنفس عقوبة الفاعلين الأصليين وأعطيا أمثلة على ذلك في حالة عدم التبليغ عن المخالفة خلال 48 ساعة من ارتكابها، وحالة صدور أوامر من أشخاص تتضمنها مخالفة  وكذلك حالة مساهمة أشخاص في عملية البناء المخالف .

ليقوما لاحقابتناول القواعد الموضوعية لقانون 66.12 الذي صنف المخالفات بحسب طبيعتها  إلى المخالفات التي تكون في طور الارتكاب والمخالفات التي تكون بعد الانتهاء من الارتكاب، ثم المخالفات حسب الموضوع إلى المخالفات التي تمثل  إخلالا خطيرا بضوابط التعمير والمخالفات التي لا تمثل إخلالا خطيرا بضوابط التعمير ، وكذلك الجانب الإجرائي للقانون 66.12 الذي نص على تحرير محضر من طرف ضابط الشرطة القضائية والحال أنه على المستوى العملي يتم تحريره من قبل القائد الذي تعتبر ضابط للشرطة القضائية حسب المادة 20 من ق.م.ج، و اعتبر المتدخلان أنه على الرغم من ذلك فإنه يمكن لكل الأشخاص المذكورين في نفس المادة أن يقوموا بتحرير هذه المحاضر لأن صفة ضابط الشرطة القضائية تشملهم جميعا ولا يمكن استثنائهم ووضعها للقائد وحده  بل يمكن لوكيل الملك أن يقوم بمعاينة المخالفة وإعداد محضر بخصوصها إذا ما تعلق الأمر بحالة التلبس مثلا، قبل أن يتساءلا عن معنى صفة المراقبين المحررين للمحاضر وكذا الإدارة  المذكورين في هذا القانون ؟ ويخلصا كإجابة عن تساؤلهما بأن صفة المراقبين ستحدد بصدور نص تنظيمي لهذه الفئة وأن المقصود بالإدارة هي الوكالات الحضرية ولا تشمل موظفي الجماعات في هذا الإطار.كما تساءلا عن معنى الأعوان الوارد في القانون 66.12 ؟إذ اعتبارا أن المقصود هم  أعوان الجماعات الذين يبلغون المخالفات إلى رئيس المجلس الجماعي الملزم بإبلاغ السلطة المحلية والوكالة الحضرية .ليخلصا في الأخير إلى الدور المهم الذي يلعبه المحضر المحرر في إطار المخالفات وضرورة توفره على كافة بياناته الشكلية والموضوعية حتى يصير محتجا به في مواجه المخالفين لقانون التعمير، وفصلهما في إطار الهدم الإداري  وبين الدعوى العمومية  باعتبار أن الهدم الإداري لا يؤدي إلى تحريك الدعوى العمومية كما انه لا يوقف الدعوى العمومية إذا كانت جارية، كما أن الهدم يكون تلقائيا على نفقة المخالف وإلا صار الهدم الإداري، ويختمان مداخلتهما باعتبار قانون 66.12 ليس بقانون يؤدي إلى العقوبة وإنما هو قانون وقائي من مخالفات التعمير.

المداخلة الثالثة من الجلسة العلمية الثانية: د. ادريس كركين أستاذ باحث بكلية الحقوق ايت ملول، حول موضوع إشكالات تنفيذ الأحكام في مادة نزع الملكية.

افتتح الأستاذ مداخلته بالحديث عن المرحلة التي تلي صدور الحكم بنقل الملكية وذلك بلجوء الإدارة نازعة الملكية إلى نقل هذه الملكية إذا كان العقار غير محفظ بإيداع مطلب تحفيظ، إذا كان العقار في طور التحفيظ بإيداعه بمطلب التحفيظ من أجل استكمال المسطرة وإخراج رسم عقاري في اسم الإدارة نازعة الملكية ويكون لكل من يدعي حقا سواء أكان طالب التحفيظ أو متعرضا الحق في التعويض فقط أما بالنسبة للملكية فتنقل مباشرة إلى نازعة الملكية، أما إذا كان العقار محفظا يتم تقييده بالرسم العقاري.

و طرح الأستاذ المتدخل إشكالا يتعلق بالخلاف في المساحة بين الحكم الناقل للملكية والمساحة التي أبان عنها الواقع ؟ حيث استطرد لاحقا أنه يظهر هذا الإشكال بتبرير المساحة أمام المحافظ خصوصا أنه في ملفات قديمة جدا لم يكن تحديد هذه المساحة رغم أن نازعة الملكية المفروض أن تعد تصاميم دقيقة ومضبوطة فيما يتعلق بنقل الملكية إلا أنه كانت تنجز بشكل غير دقيق إذ أنه أثناء التحديد تظهر مساحات زائدة بشكل كبير، وفي حالات أخرى يتم إيداع مطالب لتحفيظ كل قطعة على حدة  وهنا يتم التداخل بين القطع فينجم عنه ارتباك في المساحة وهذا أيضا إشكال على مستوى الواقع.

كما أشار الأستاذ أنه في بعض الأحيان هناك بعض المحاكم تتجاوز الاختصاص فيما يتعلق بنقل الملكية، أي أنه عند عرض النزاع أمام القضاء في إطار مسطرة نزع الملكية قد يظهر بأن المشروع في الحقيقة قد تم الاعتداء عليه من قبل ويكون قد بني منذ مدة كبيرة، هنا المحاكم لا تناقش هذه المسألة ولكن هناك حكم في هذا الإطار صادر عن المحكمة الإدارية بأكادير في قضية نزع الملكية قضت بالتعويض فقط دون نقل الملكية باعتبار الأمر يتعلق باعتداء مادي ونزع غير مباشر للملكية وغصب لها، غير أن ما يعاب على هذا الحكم أنه جاء خارقا لمجموعة من القواعد المنصوص عليها بقانون نزع الملكية أو تلك المتعلقة بالمسطرة المدنية حيث أن المحكمة لما كانت تنظر في القضية قضت بما لم يطلب منها رغم أن نازعة الملكية الذي تقدمت بالدعوى ليست الشخص الذي حكم عليه بأداء التعويض، مما يعني معه وجود إشكال وخلاف يتعلق بالتنفيذ وهو ما تأكد من رفض المحافظ على الأملاك العقارية لتقييد الحكم لأنه لم ينص على نقل الملكية، غير أنه  سرعان ما تم إرجاع القضية من قبل محكمة الاستئناف بمراكش للنظر فيها من جديد و البت فيما طلب منها .

ليعرج الأستاذ المداخل بعد تناوله الشق المتعلق بنقل الملكية إلى الشق المتعلق بالحكم بالتعويض وذلك على اعتبار أن مسطرة نزع الملكية هي مسطرة تتضمن مجموعة من الإجراءات الخاصة، حيث أنه لا يمكن اللجوء إلى قانون المسطرة المدنية إلا إذا نص قانون المسطرة المدنية على ذلك، بمعنى أن هناك إجراءات تبتدئ برفع دعوى دون ذكر المدعى  والمدعى عليه وصفته وكذا عنوانه باعتبارها بيانات غير إلزامية في المرحة الابتدائية والاستئناف فقط لكونها مسطرة عينية، أما في مرحلة النقض يجب ذكر البيانات لكون أن عددا كبيرا من القرارات قضت فيها بعدم قبول طلب النقض لكونه لم يتم ذكر عنوان المطلوب بالنقض.

كذلك فيما يتعلق بالتبليغ، فالتبليغ يتم تلقائيا للأحكام، كذلك بالنسبة للتنفيذ المتعلقة بإيداع التعويضات ودفعها والتي أخضعها المشرع لمقتضيات المادتين 29 و 30 من قانون نوع الملكية واللتين حددتا كيفية دفع هذه التعويضات بمجرد ما يصدر الحكم سواء كان حكما استعجاليا آذن بالحيازة أو حكما قاضي بنقل الملكية داخل أجل شهر من تاريخ صدوره وذلك إما بالإيداع المباشر وإما بإيداع هذه المبالغ بصندوق الإيداع والتدبير إذا كان هناك نزاع بخصوص هذا الملك تحت طائلة أداء الفوائد القانونية المترتبة عن التأخير والمتمثلة في عدم احترام الأجل.

لينتقل فيما بعد إلى التساؤل عن إمكانية خضوع السلطة النازعة للملكية لمسطرة التنفيذ الجبري للأحكام ؟ وكإجابة من الأستاذ فقد  تطرق في شطر أول بخصوص هذه النقطة لمسطرة التنفيذ الإداري، باعتبار أن الإيداع المباشر للمبالغ يتم بعد إعداد الملف المتعلق بالأداء بالنسبة للإدارة نازعة الملكية والذي يتكون من حكم مصادرة الملكية والوثائق الكافية التي تثبت ملكية الشخص لهذا العقار سواء كان العقار عقارا محفظا وذلك عن طريق الإدلاء بشهادة تفيد التقييد الحكم أو كان العقار في طور التحفيظ وذلك عن طريق الإدلاء بشهادة تفيد إيداع الحكم أو كان العقار غير محفظ عن طريق الإدلاء بشهادة تثبت إيداع مطلب التحفيظ في إطار المادة 37 عن طريق مسطرة خاصة بدون إشهار.

غير أنه بالنسبة  للأداء الغير المباشر في حالة وجود نزاع حول الملك أو عدم الإدلاء بالوثائق المثبتة للامراد نزع ملكيته، هنا يتم إيداع المبالغ المحكوم بها لدى صندوق الإيداع والتدبير إلى أن يتم الإدلاء بما يفيد رفع التعرضات أو ما يفيد ملكية الشخص المعني عن طريق استصدار أحكام نهائية فيتم رفع اليد عن هذه المبالغ، أما في حالة عدم وجود وثائق كافية تثبت ملكية هذا العقار يتم اللجوء إلى مسطرة نص عليها المشرع في الفصل 30 من قانون نزع الملكية وذلك عن طريق إشهار الملك وتطهيره بتعليق إعلانين الأول بالجماعة الواقع بدائرتها العقار المراد نزاع ملكيته والثاني بالمحافظة العقارية وذلك لمدة ستة أشهر وفتح دفتر التصريحات بالجماعة من أجل تلقي كل تعرض أو منازعة بشأن هذا العقار، وبعد فوات الأجل دون ورود أي تعرض يتم دفع التعويضات إلى المالك المفترض، غير أنه إذا كانت هنالك تعرضات ما فإن المبالغ تبقى مودعة لدى صندوق الإيداع والتدبير كما سبق بيانه أعلاه.

وقد لاحظ الأستاذ بشأن مسطرة الإشهار أنها مسطرة تصحيحية للعقار المراد نزع ملكيته ولا تعطي حلا للإشكالية المتعلقة بتوزيع الحصص بين ذوي الحقوق إذا لم تكن محددة سلفا،على اعتبار انه في كثير من الأوقات نجد مجموعة من الأشخاص يدعون ملكية العقار وبالتالي لا يمكن دفع التعويضات جملة مادام أنهم غير متفقين على حصص معينة  ولم يدلوا بما يفيد مناب كل مالك في هذا العقار.

لينتقل الأستاذ المتدخل بعد عرضه للتنفيذ الإداري إلى التنفيذ الجبري للأحكام الصادرة في مادة نزع الملكية في شطر ثان، حيث استهل مداخلته بخصوص هذه النقطة بإحدى المناشير الصادرة عن وزير العدل والتي جاء فيها القول ب " ... أن تنفيذ الأحكام تعتبر العمود الفقري الذي يعطي للعدالة مفهومها الحقيقي ومدلولها الصحيح، فالحكم بدون تنفيذ يعتبر عديم الجدوى يجرد القضاء من فعاليته وقيمته ..."، وكذلك ما جاء في إحدى القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف بالرباط والتي جاء فيه :" إن جميع الأشخاص المحكومين عليهم ملزمون بتنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهتهم سواء أكانوا ذاتيين أو معنويين وسواء كانوا من أشخاص القانون الخاص أو العام"، و استطرد الأستاذ  في مداخلته القول بأن الدولة وجميع المؤسسات التابعة لها سواء كانت عامة أو خاصة ملزمة بتنفيذ الأحكام بمعنى أن الكل سواسية أمام القانون ويجب أن يخضع الكل للقانون، ومادام أن الإدارة أو الدولة والجماعات هي الساهرة على احترام القانون وتطبيقه فالأولى بها أن تكون هي المبادرة في تنفيذ القانون والالتزام بمقتضياته لذلك فإن الإشكال المتعلق بتنفيذ الأحكام يعرف مجموعة من الصعوبات، صعوبات تتضرع بها الإدارة عن التنفيذ منها ما هو مرتبط بالجانب المالي تتجلى في عدم وجود اعتمادات مالية وتعقيدات قانون المالية، ومنها ما هو مرتبط بالجانب القانوني والمؤسساتي تتجلى في تعدد المتدخلين وتداخل الاختصاصات وتعارض الإجراءات الإدارية المتعلقة بالتنفيذ إضافة إلى تعارض بعض النصوص الخاصة بمسؤولية المخاطبين بعملية التنفيذ خاصة مسؤولية احتساب النفقات، كذاك امتناع الخزينة العامة عمدا في بعض الحالات عم الإدلاء بالتصريح الايجابي في حالة المصادقة على الحجز وعمد جدوى تنفيذ الغرامة التهديدية في مواجهة الإدارة والحجز على الأموال العامة والأشخاص الاعتبارية العامة.

ليرجع الأستاذ في آخر مداخلته إلى ربط تنفيذ الإدارة للأحكام بموضوع نزع الملكية، حيث قال أنه من المفروض على الإدارة التي تلجأ إلى نزع الملكية أن  تكون قد وفرت أو رصدت مبلغا لهذا المشروع، إذ أنه لا يمكن التضرع بعدم الحجز على هذا المبلغ لأنه أصلا حجز لإنجاز المشروع، قبل أن يعطي نظرة على تطور القضاء الإداري في مسألة الحجز على أملاك الدولة والجماعات حيث أنه وبعد أن كان القضاء الإداري يتسرع في الحجز على أملاك الدولة والجماعات على أساس أن الدولة تعتبر مليئة الذمة، فإن هذا الأساس اليوم لم يعد له اعتبار في القضاء الإداري وأصبح متجاوزا إذ أصبحت الدولة هي بدورها مدينة  وهذا ما يلاحظ في الأحكام الصادرة بأداء التعويضات، أما فيما يتعلق  بالاعتداء المادي فالأحكام كثيرة ضد الجماعات إذ أنه في بعض الأحيان تتجاوز ميزانيتها ويتعذر تنفيذها ولعل هذا ما دفع الحكومة للتدخل بنص ليس له علاقة بقانون المالية بإقحامه إقحاما تعسفيا في قانون المالية في المادة التاسعة وهذا فيه مخالفة صريحة للدستور ومبدأ العدالة.

المداخلة الرابعة  من الجلسة العلمية الثانية: د. اليوسفي العلوي محمد أمين باحث قانوني دكتور في القانون الخاص، حول موضوع دعوى التشطيب عل مشروع نزع الملكية من السجلات العقارية.

استهل الأستاذ المداخل مداخلته الأخيرة من هذه الجلسة العلمية بإبراز قيمة العقارات المثقلة بمشاريع نزع الملكية وتداولها في السوق، وكذا لجوء بعض الملاكين إلى طلب التشطيب على  مشاريع نزع الملكية من السجلات العقارية واصطدامهم  بالموقف الرافض لطلب التشطيب عن هذه المشاريع من قبل المحافظين على الأملاك  العقارية، وبين الأستاذ في هذا الإطار الأساس القانوني لطلب التشطيب على مشروع نزع الملكية بالنسبة لطالب التشطيب والمتمثل في المادة 17 من قانون نزع الملكية الذي يقابله الأساس القانوني الذي بمقتضاه يرفض المحافظ الاستجابة لطلبات التشطيب إلا إذا كانت في إطار الفصل 91 من ظهير التحفيظ العقاري والذي يلزم على طالب التشطيب أن يقدم للمحافظ على الأملاك العقارية عقدا أو حكما مكتسبا لقوة الشيء المقضي به يثبت انعدام وانقضاء الحق موضوع التقييد في مواجهة الأشخاص الذين يعنيهم هذا التشطيب.

وبالتالي تساءل الأستاذ المداخل على كيفية المحافظ العلم بمآل مسطرة نزع الملكية في هذا الإطار خصوصا وأن الممارسة العملية أبانت أن الإدارة المستفيدة من هذا المشروع والتي تكون قد حازت في الواقع المنطقة المنزوعة لا تعمل عادة على نقل الملكية بإيداع الاتفاق بالتراضي أو الحكم القاضي بنقل الملكية؟؟

ليشير الأستاذ لاحقا  إلى موقف القضاء  أمام تضارب الموقفين المشارين إليهما أعلاه، حيث اتخذ القضاء مواقف أخرى متباينة تهدف أساسا إلى التطبيق السليم للقانون وحماية الحقوق المسجلة في السجلات العقارية، إذ انقسمت هذه المواقف إلى مواقف سلبية وأخرى ايجابية حول قرار المحافظ الرافض للتشطيب على مشاريع نزع الملكية المنتهية صلاحيتها.

فبالنسبة للمواقف السلبية للقضاء حول قرارات المحافظ الرافضة للتشطيب على مشروع نزع الملكية المنتهية صلاحيته، اعتبراها منقطعة الصلة بالمشروعية وأن التقييد ملغى بقوة القانون وهذا ما جاء في مجموعة من الأحكام والقرارات القضائية.

أما بالنسبة للمواقف الايجابية للقضاء حول قرارات المحافظ الرافضة للتشطيب على مشروع نزع الملكية المنتهية صلاحيته، هو تراجع القضاء عن موقف السلبي وذلك بعد صدور قرار عن محكمة النقض خفف على المحافظ عبء الدفاع عن مصالح الإدارة التي ينتمي إليها، حيث ارتكز هذا الموقف على ثلاث توجهات: الأول يرتكز على أن توجيه دعوى التشطيب يكون أمام السلطة النازعة للملكية وهو الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بمكناس عدد 805/2012/6، الثاني يرتكز على عدم صفة المحافظ وإعفاءه من عبء الإثبات لتفعيل مشروع نزع الملكية المقيد و إخراجه من الدعوى  وهو ما تم تأييده في مجموعة من الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية، والمرتكز الثالث هو ضرورة توفر مبدأ توازي الشكليات للتشطيب على مشاريع نزع الملكية وهو المرتكز الذي جاء في القرار عدد 5247 الصادر عن محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 03/11/2015 في الملف عدد 657/7206/2015.

ليختتم الأستاذ في آخر مداخلته إلى القول بأن التوجه السليم في هذا الباب هو تقديم الدعوى أمام القضاء الشامل مع إدخال المحافظ كطرف بالحضور فقط وتوجيه الدعوى في مواجهة السلطة النازعة، باعتبار هذا الحل هو حل قضائي مؤقت إلى حين التدخل التشريعي في هذا الصدد.

بعد ذلك فتح رئيس الجلسة د محمد العلمي باب المناقشة، حيث تمت اثارة مجموعة من الأسئلة  و طرح جملة من الأفكار التي أغنت الأرضية التي طرحتها المداخلات في الجلستين العلميتين.

وفي الجلسة الختامية عبر الدكتورالحسين الرامي ,باسم اللجنة العلمية والتنظيمية , عن اعتزازه بنجاح هذا النشاط العلمي الذي يمكن تلمسه من خلال عدد المشاركين وتنوع مشاربهم وتخصصاتهم وكذلك من خلال عن عمق النقاش الذي تلا الجلستين كما عبر عن أمله في تجدد هذا النجاح في النسخة المقبلة التي ستخصص لتعميق مدارسة احدى المسائل التي تناولتها هذه الدورة.