لقاء علمي حول تجربة الجماعات الترابية في تدبير الشأن العام: جماعة إنزكان نموذجا

 

في إطار الأنشطة العلمية لطلبة ماستر حكامة الجماعات الترابية والتنمية المستدامة، وبتنسيق مع فريقه البيداغوجي، وفريق البحث في القانون العام والحكامة، وبتعاون مع المركز المغربي للدراسات وتحليل السياسات، نظمت كليـة العلـوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ابن زهـر يـوم 6 فبراير 2021 بأكادير لقاء بعنوان: " تجربة الجماعات الترابية في تدبير الشأن العام -جماعة إنزكان نموذجا- " بالمدرج رقم 10 ابتداء من الساعة العاشرة صباحا.

وقـد عـرف اللقـاء حـضـورا مكثفا للطلبة الباحثين والأساتذة إلى جانب فعاليات من المجتمع المدني والممارسين والمهتمين بالشأن العام المحلي، وقد ترأس هذا اللقاء السيد الدكتور الحسين الرامي أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير، جامعة ابن زهر، ورئيس المركز المغربي للدراسات وتحليل السياسات، بنفس الجامعة، إلى جانب السيد أحمـد أدراق، نائب برلماني ورئيس المجلس الجماعي لمدينة إنزكان.

استهلت أشغال هذا اللقاء بكلمة افتتاحية من الدكتور الحسين الرامي، والتي رحب من خلالها بالحاضرين وذكر فيها بالسياق الذي يندرج فيه هذا اللقاء، ويتعلق الأمر بسلسلة اللقاءات التي دأب طلبة ماستر حكامة الجماعات الترابية والتنمية المستدامة، على عقدها من أجل ربط البحث العلمي الأكاديمي بالواقع وبالممارسة الميدانية، مشددا على أهمية هـذا الـنـوع مـن اللقاءات سواء بالنسبة للطلبة الباحثين، أو بالنسبة للممارسين والمتتبعين للشأن العام المحلي عامة.

 أعطيت الكلمة بعد ذلك للسيد أحمد أدراق، الذي بدوره رحب بالضيوف وأشاد بمثل هذه المبادرات، وقدم ورقة تعريفية موجزة للجماعة الترابية إنزكان، ركز فيها على الحدود الترابية لهذه الجماعة وخصائصها ومميزاتها، قبل أن ينتقل إلى مجمل الإكراهات التي تعيق مسار التنمية كهدف أساسي لهذه الجماعة. حيث صنفت هذه العوائق إلى الإكراهات ذات طابع بشري، والمتعلقة أساسا بضعف نسبة التأطير في صفوف الموارد البشرية العاملة بهذه الجماعة، ( قلة عدد الأطر مقارنة بباقي العاملين بهذه الجماعة )، مما يطرح إشكالية الموارد البشرية المؤهلة لمساعدة المنتخب المحلي في القيام بالمهام التنموية المنوطـة بـه، ( المنتخب أصـبـح يـقـوم بالمهـام التقنيـة بـدل التركيز على الوظائف الاستراتيجية )، ثـم إكراهـات ذات طابع مـالي والمتعلقـة أساسـا بضعف الغـلاف المالي المخصـص للتجهيز ( الاستثمار )، مما يشكل عائق حقيقيا من أجل تحقيق التنمية على أرض الواقع.

 وفي هذا الصدد قدم السيد رئيس الجماعة مجمل إنجازات مجلس الجماعة في سبيل تجاوز هذا الإشكال من قبيل تنمية المداخيل بإحداث مجالات أخـرى تـدر مدخولا إضافيا على الجماعة. وتقليص النفقات وترشيد تلك التي تقوم الجماعة ببرمجتها، وقد أشار السيد أحمد أدراق إلى مجمل الإمكانيات التي استطاعت الجماعة أن تحققه عن طريق هذه الإجراءات، مشيرا في نفس الوقت أن ميزانية الجماعة مقارنة بحجم إكراهاتها، لا تكفي لسد الخصاص المهول من البنية التحتية، بالرغم من برمجة الفائض الذي تم تحقيقه عبر هذه الإجراءات.

ومـن جهـة أخـرى أشـار السيد رئيس مجلس الجماعة إلى الإكراهات المتعلقة بالتدبير اليـومي لخدمات القرب التي تتولى الجماعة توفيرها للساكنة، ( الإنارة، التنقل، النظافة... )، مذكرا بجهود هذه الأخيرة في سبيل تجويدها، ( إحداث أسواق جديدة، الإنارة العمومية، اللجوء إلى التدبير المفوض في تدبير خدمة النظافة، إدراج بند في الصفقة المخصصة لهذا الغرض، يمكن الجماعة من الاحتفاظ بأسطول الشاحنات، التي تعتمدها الشركة نائلة الصفقة، بعد انتهاء عقد التدبير المفوض.... )، مشيرا إلى الإكراه المترتب عن إضافة أحياء جديدة كبيرة من حيث المساحة إلى الجماعة وهي أحياء كانت تابعة لجماعة أيت ملول ( حي الجرف، وحي تراست )، أصبحت معه جماعة إنزكان تضم حي إنزكان كحي أصلي ثم الأحياء المضافة، مما جعلها مجبرة على مضاعفة خدمات القرب، ( مثلا أصبحت الجماعة ملزمة بإنشاء ثلاث ملاعب للقرب، بدل ملعب واحد، وثلاث مركبات تربوية... ). والإكراه المترتب عن انتشار الباعـة المتجـولين مذكرا بجهـود الجماعـة في هذا الشأن، والإكراه المترتب عـن نـدرة الوعـاء العقاري الخاص بجماعة إنزكان، وأثر ذلك على توفير خدمات القرب للساكنة (ملاعب القرب مثلا).

 وخلـص السيد أحمـد أدراق إلى أن حصيلة المدبر للشأن العام، لا تقاس فقط من خلال الحصيلة الرقمية، أو النوعية، التي تستند إلى نوع الاختصاصات التي قام بتفعيلها على أرض الواقع وإنما أيضا بالحصيلة الرمزية التي ترتبط بالقدرة على تغيير ظروف عيش الساكنة (التي قد لا تكون واعيـة بحجـم هـذه الإكراهـات) إلى الأفضل، وبقدرة هذه الأخيرة (الساكنة) على معاينة هذا التغيير والاعتراف به.

وفتح السيد الدكتور الحسين الرامي باب المداخلات، والتساؤلات حيث تركزت هذه الأخيرة حـول دور جماعـة إنزكان في تجـاوز الإكراهات المتعلقة بضعف التأطير في صفوف الموارد البشرية العاملة بهذه الجماعة، ووضعية جماعة إنزكان في ظل الطموح نحو خلق أكادير الكبير كقاطرة رائدة في الجهة وحدود التوفيق بين القطب السياحي الذي يمثله أكادير والقطب التجاري الذي يمثله إنزكان، في هذا الإطار، ومستقبل المحطة الطرقية التابعة لإنزكان التي ستكون قاطرة لـورش أكادير الكبير، ثم كيفية تعاطي الجماعة مع مشكل المرابد والأمن على مستوى الدائرة الترابية للجماعة، وكذلك حدود الأدوار  الاجتماعية للجماعة في علاقتها مع المصالح الخارجية للوزارات في هذا المجال، وكيفية توزيع الجماعة للمنح المخصصة لدعم الجمعيات ثم جهود الجماعة في محاربة جائحة كرونا.

 وفي معرض إجابة السيد أحمـد ادراق عـن هـذه التدخلات، تطرق إلى أن مسألة التكوين المستمر لـم تـعـد مـن اختصاص الجماعـات، وإنما أصبحت من اختصاص الجهة، وقـد تـم إعـداد التصميم المديري للتكوين المستمر لفائدة الموارد البشرية العاملة بالجماعات الترابية داخل جهة سوس ماسة، سواء الموظفين أو المنتخبين، كما أشار إلى أن الجماعات على مستوى الإقليم أو على مستوى الجهة ككل فهي إما أن تفرق بينها حدود طبيعية كالوديان أو الطرقات وليس هناك تمييز فيما بين هذه الجماعات في الشعارات أو في الألوان مثلا، لذلك فشعار أكادير الكبير لا نراه على أرض الواقع، بل حتى أن مؤسسة التعاون المشتركة بين الجماعات تضـم فـقـط 11 جماعـة، وبالكاد استطاعت أن تتبنى مشروعا واحدا وهـو مشروع خط النقل، كما أن إشكالية الباعة المتجولين ستبقى مطروحة مادامت هذه الفئة تنحدر تقريبا من جميع الجماعات داخل الجهة، وبالتالي يصعب من الناحية العملية أن تتولى جماعة إنزكان لوحدها فك هذا المشكل إن لم تتضافر جهود باقي الجماعات.

وأشار السيد الرئيس إلى أن الجماعة في إطار جهودها لحل مشكل المرابد برمجت ربط هذه المرابـد بالعدادات، والإعلان عن صفقة المرابـد بالعدادات، وفي مسألة الأمن أشار إلى أن الجماعة أعلنـت عـن صـفقة لتزويد بعض المناطق الحساسـة بالكاميرات إلا أنـه لـم يـتم برمجتها، وفي نفس السياق قامت الجماعة بتفعيل اتفاقية الشراكة مع جمعية الحراس الليليين، وذكر بأن الجماعة تعمل بالتنسيق مع المصالح الخارجية للوزارات في إطار تفعيل أدوارهـا الاجتماعية وإن كان دور التنسيق موكول إلى السيد الوالي أو العامل، إلى المحافظة على العلاقات الجيدة مع الفاعلين على المستوى الترابي يمكن من تحقيق أكبر فائدة.

وفي إطار توزيع المنح على الجمعيات أشار السيد أحمد أدراق إلى أن الجماعة في هذا الصدد اعتمدت دليلا خاصا بمعايير توزيع المنح على الجمعيات، وفي الأخير ذكـر بـأدوار الجماعة في ظروف الجائحة، مشيرا إلى مسألة إقصاء موظفي الجماعات الترابية والمنتخبين من حملة التلقيح المخصصة لفئة العاملين في الصفوف الأمامية، بالرغم من تواجـدهم الـدائم وجهودهم في هذه الظرفية من مجموعة من المهام المحورية من خلال المكاتب الصحية للجماعات، والدعم المخصص للمستشفيات الإقليمية، وما تقدمه هذه الجماعات من مواد التعقيم وما تقوم به من حملات للتعقيم والتحسيس، بالإضافة  إلى تكفلها بعمليـة الـدفن، والنظافة، النقـل وبشكل عـام فـخـدمات القـرب التي تختص بها الجماعات لم تتوقف خلال فترة الجائحة. وفي الأخير ختم الدكتور الحسين الرامي اللقاء بالتأكيد على جدية النقاش المطروح، وعلى أهمية الجانب الميداني في البحوث العلمية، وعلى ضرورة انخراط الطلبة الباحثين ومشاركتهم في مثل هذه اللقاءات والندوات. والحرص على صياغة تقارير جيدة خاصة بكل لقاء على حدة.