محاضرة تحت عنوان: مدخلات التنمية الترابية اللامركزية على مستوى التدبير والتدخل

 


الخميس 27 شتنبر 2018 كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير،

أشرف الدكتور عبد الرزاق العقابي على عقد لقاء علمي برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة ابن زهر بـأكادير، وذلك لفائدة طلبة ماستر حكامة الجماعات الترابية والتنمية المستدامة في موضوع "مدخلات التنمية الترابية اللامركزية على مستوى التدبير والتدخل".

وقد استهل الدكتور المحاضر هذا اللقاء للتذكير بأهمية المدخلات التنموية للفعل الترابي اللامركزي، وهي المدخلات المطروحة للنقاش الدستوري كما النقاش العمومي. وقد عرف التدبير الترابي اللامركزي في علاقته بالتنمية عدة محطات رئيسية اختلفت باختلاف شكل التنمية وطرق تنزيلها: من التنمية المستدامة، فالتنمية المندمجة مرورا بالشاملة وصولا إلى التنمية الترابية المرتكزة على ثلاثة أبعاد رئيسية: بعد المجال وبعد المكان وبعد الزمان. وترتكز التنمية أيضا على مرجعية قانونية تحمل في طياتها مدخلات ومبادئ تفعلها على مستويين:

مستوى تدبير مدخلاتها (المحور الأول) ومستوى التدخل (المحور الثاني).

المحور الأول: المدخلات المرتبطة بمجالات التدبير

وتنبني هذه المدخلات على ثلاثة مرتكزات أساسية، وهي:

أ‌-اعتماد آلية التدبير بالأهداف.

ب‌-    تعزيز دور التواصل بين الفاعلين الترابيين.

ت‌-    تطوير الأداء التدبيري للفاعل الترابي.

أ‌-اعتماد مقاربة التدبير العمومي الحديث المرتكز على الأهداف.

قام الدكتور بتبيان أهمية المقاربة الجديدة التي يعتمد عليها التدبير العمومي الترابي الحديث، والمرتكزة على استبدال مفهوم السلطة العامة/المرفق العام، بمفهومي التدبير الاستراتيجي والتدبير بالأهداف.

فإن كان التدبير الاستراتيجي يتجاوز التدبير اليومي إلى تدبير استشرافي يسائل نقط القوة والضعف وتحديد الفرص والمخاطر قصد استباق الوضعيات وتنفيذ السياسات الترابية على المدى المتوسط والبعيد، فإن التدبير بالأهداف يساعد الجماعة الترابية على تحديد أهداف ملموسة قابلة للقياس والتقييم خلال فترة زمنية محددة، وفق طرق ووسائل مرصودة مسبقا، ما يمكن الجماعة من تجاوز ممارساتها الترابية التقليدية إلى تدبير للمشاريع مخطط له ومبرمج ومتوقع ومنفذ ومتحكم في موارده وآجاله، كل ذلك عبر نظام للمعلومات يضمن التقييم المستمر خلال كل مرحلة باختلاف مستوى التدبير.

ب‌-    تعزيز دور التواصل مابين الفاعلين الترابيين

لئن كانت المشاركة الفعلية للمعنيين بالشأن الترابي لازمة لتحقيق الأهداف عبر البحث المستمر عن توافقات بين الأطراف، فإن هذه المشاركة لن تتأتى إلا عبر خلق نقاش حول الاختيارات الترابية، فهو شرط لنجاح الديمقراطية الترابية التشاركية. وقد سرد الدكتور العقابي خلال محاضرته أهم ضوابط وشروط هذا النقاش، وعددها فيما يلي:

- حرية التعبير عن الآراء.

- المساواة في النقاش العام الترابي.

- درجة الاستقلالية في التعبير.

و التواصل، يعتبر أداة فعالة لتحقيق هذا المناخ الديمقراطي، فهو يوفر المعلومات الكافية حول المشاريع والبرامج المفتوحة للنقاش العام ضمانا لانخراط المناقشين واقتناعهم بالاختيارات الترابية للمجلس. كما أن التواصل يولد طاقة لاستمرارية نشاط المجلس عبر ربطه بمحيطه الخارجي وتقوية وحدته الداخلية وحسن شفافية وسيولة ووفرة المعطيات والمعلومات، فضلا عن كونه من الموجهات اللازمة لاتخاذ القرار.

كما عرج الدكتور العقابي على أهمية النقاش العام من حيث أنه يؤدي إلى الاتفاق العام بالضرورة، أي توحيد التصورات والرؤى المختلفة بين الفاعلين المؤسساتيين والساكنة المحلية حول غايات ترابية مشتركة، تجعل المواطن داعما للقرارات وملتزما بالأهداف وصانعا للقرار المحلي مادامت القوانين التنظيمية الحالية تجعل دوره مهما في الأخذ بآرائه ضمن جدول أعمال المجلس.

ج- تطوير الأداء التدبيري للفاعل الترابي

أبرز الدكتور الأهمية المحورية للفاعل الترابي، ما يستدعي من المؤسسة الترابية عقلنة تدبير شؤون الموظف الجماعي وإيجاد ظروف ملائمة لاشتغاله، وأيضا ضرورة إحداث نظام أساس خاص به.

هذا التطوير في الأداء ينبغي أن يرتكز على عدة مقومات، أبرزها:

- توزيع وتسيير الموظف بشكل معقلن ومناسب.

- تحسين ظروف ومناخ اشتغال الموظف عبر تحفيزه حتى يحقق نتائج مهمة.

- توفير التكوين المناسب المستجيب لحاجياته في المجالات القانونية والتدبيرية الحديثة من أجل إكسابه كفاءات دقيقة تتماشى ورهانات المحيط.

ثانيا – مدخلات التنمية الترابية اللامركزية على مستوى التدخل.

أ‌-تقوية القدرة السياسية للجماعة الترابية

إن إعطاء الأولوية للمستوى الترابي كقاعدة لصياغة سياسات ترابية ناجعة، يسائل مدى نجاعة مراحل صياغة هذه السياسات، باعتبارها تتناول القضايا والمشاكل التي تدخل ضمن مجال الجماعة الترابية وتبحث عن حل لهذه المشاكل وفق الاختصاصات القانونية.

وقد عدد المحاضر الخطوات المتبعة لصياغة سياسة ترابية ناجعة، فيما يلي:

- تحديد الطلبات الاجتماعية: فباعتبار الساكنة هي الجهة الأقرب لمعرفة المتطلبات والاحتياجات النابعة من انشغالهم، كان لابد من وضع استراتيجية لتكوين لجان لتلقي طلبات الساكنة وفق مقاربة تشاركية تعتمد التواصل وعقد اجتماعات مع الساكنة ورصد المعطيات حول المشاكل قبل تجميعها في أولويات حاجيات تتم برمجتها في مشاريع على المدى القصير والمتوسط فالاستراتيجي.

- إدراج المطالب في جدول الأعمال: عن طريق العرائض المقدمة للمجلس والطلبات المرفوعة للمجلس قصد إدراج نقط في جدول أعماله، وهي تعكس قوة الجهة التي أدرجت المطالب باعتبار الساكنة قوة ضغط.

- عملية الإقرار: وهي مرحلة حاسمة لكونها تنقل حل المشاكل من النطاق الترابي غير الرسمي إلى النطاق الرسمي المتداول فيه من طرف الأجهزة الترابية المنتخبة. وهذه العملية تكتسي أهميتها من كونها ترمي إلى البحث عن أعلى درجات الرضى والقبول عن طريق اختيار أقضل البدائل. وتعتبر المصادقة على الميزانية أحد أهم تمظهراتها باعتبارها لآلية فعلية لتحقيق الأهداف.

ب‌-    الهندسة الجديدة للاختصاصات

أبرز الدكتور العقابي أهمية الهندسة الجديدة للاختصاصات الموكولة للجماعات الترابية، حيث أنها مبنية على:

- مشاركة الجهات والجماعات الترابية الأخرى في ضمان تنزيل السياسات الترابية.

- الاعتماد على مبدإ التفريع في توزيع الاختصاصات.

- ربط الاختصاصات المنقولة بتوفير الموارد من اجل تحقيق التوازن بين الصلاحيات والإمكانيات.

- تبني مفهوم جديد للمراقبة الإدارية يتجاوز الوصاية التقليدية، عبر منح الرقابة للقضاء واكتفاء الإدارة الترابية بالتوجيه والمصاحبة.

ج- تطوير الاستقلال المالي

أشار الدكتور إلى أن تطوير الاستقلال المالي يجب أن ينطلق أساسا من ضرورة تجميع النصوص التنظيمية في المجال المالي ضمن مدونة اللامركزية والتي يجب التعجيل بها قصد إضفاء التناغم والتكامل مابين النصوص القانونية المنظمة للمجال المالي للجماعات الترابية.

فضلا عن الجانب القانوني، أبرز الدكتور أهمية تفعيل إطار للميزانية التشاركية تضمن المشاركة لكل المواطنين في صياغة الوثيقة الميزانياتية المحلية، وهنا أعطى الدكتور مثالا بتجربة الجماعة الترابية لـ Porto Allegri بالبرازيل.

وعرج بعد ذلك لأهم مظاهر تكريس الاستقلال المالي لدى الجماعات الترابية، وحصرها في: مبدإ التدبير الحر الذي يقتضي توفر استقلال مالي ومؤسساتي وتنظيمي.

كما أشار إلى مؤشرين مهمين لتبيان هذه الاستقلال المالي، وهما الموارد الذاتية للجماعة الترابية وتلك المرصودة من طرف الدولة. وانتقل إلى إبراز أهمية مبدإ التفريع لكونه يضمن توزيعا للأعباء حسب قدرات الانجاز، قبل أن يختم هذه المظاهر بذكر أن رئيس الجماعة الترابية هو الآمر بالصرف وهو ما يعتبر نقلة نوعية لضمان الاستقلال المالي عبر حصر الموارد المالية وحصرها.

د- تعزيز القدرة المالية للوحدات الترابية والعمل على تطوريها

يعتبر التعاقد الترابي وبرنامج عمل الجماعات الترابية من بين أهم الأدوات الحديثة للتدخل الترابي.

وفي هذا الصدد، أشار الدكتور إلى أن آلية التعاقد الترابية هي توجه جديد يرمي إلى إنجاز بعض الأعمال التي تحتاجها الجماعة الترابية عن طريق إبرام تعاقد مع الدولة أو مؤسسات عمومية أو مابين الجماعات الترابية أو مع الخواص، بالنظر لما قد يكتسي بعض الأعمال من تعقيد تقني أو كلفة مالية كبيرة، أو بالنظر إلى لحجمها في المجال أو الزمان. والتعاقد الترابي مؤشر من مؤشرات التدبير الحر، يستوجب تحقيقه ثلاثة معايير:

- وجوب حصول اتفاق مسبق حول الأهداف.

- جدول زمني مضبوط من أجل التنفيذ.

- بيان المساهمات المالية للأطراف المتعاقد.

بعد ذلك انتقل المحاضر إلى الحديث عن أهمية برنامج عمل الجماعات كآلية أخرى من أدوات التدخل الترابي، ومن أهم المميزات التي تتسم بها هذه الآلية:

- اعتبار البرنامج جزء من مخطط استراتيجي.

- تنصيص المشرع على المقاربة التشاركية.

- إضافة البعد البيئي.

- البرنامج وثيقة تحليلية.

- احتفاظ البرنامج بفترة ست سنوات.

- رئيس الجماعة الترابية هو المسؤول الأول عن إعداد برنامج عمل الجماعة.

- التنصيص على أهمية البرمجة المتعددة السنوات.

وفي ختام المداخلة العلمية، فتح نقاش مع السادة الطلبة الباحثين هم بالأساس أهم المستجدات التنظيمية والتشريعية التي تبرز مدخلات التنمية وأهم معيقات التنفيذ، كما تفضل المتدخل بإعطاء أمثلة شارحة لأهم مستويات التدخل الترابي.