يتيح الرصد التاريخي لمسار التحول الذي عرفه مسلسل
اللامركزية بالمغرب، الوقوف على الاهمية التي اضحت تكتسيها الجماعات الترابية بعد
صدور دستور 2011، وما تلاه من قوانين تنظيمية عملت على تحديث بنيتها التنظيمية،
وآليات اشتغالها وتدبيرها وفق قواعد ومبادئ جديدة ساهمت في تطوير وظيفتها وتعزيز
مكانتها ودورها في قيادة التنمية على المستوى الترابي.
يأتي هذا العمل
الجماعي ليلامس مدى التحول الذي عرفته الجماعات الترابية عبر اربع مداخل اساسية
هي:
· الاسس ومبادئ
اللامركزية الترابية من خلال رصد تاريخي لمسار التحول، وتحليل اهم القواعد الجديدة
التي تؤطر التنظيم الترابي منها التدبير الحر، والهندسة الجديدة لتوزيع الاختصاص
على اساس مبدأ التفريع، ثم الديموقراطية التشاركية كآلية لإدماج المواطن في مسار
اتخاذ القرار ومسلسل تحقيق التنمية.
· آليات وادوات برمجة
التنمية الترابية حيث خول المشرع للجماعات اختصاص صياغة برامج العمل، وللعمالات
والاقاليم برامج التنمية وللجهات برنامج التنمية الجهوية. وتمثل هذه الادوات الوثيقة المرجعية لبرمجة المشاريع والأنشطة ذات الأولوية
المزمع إنجازها بتراب الجماعة الترابية.
·
الوسائل والامكانيات التي وضعها المشرع لصالح الجماعات
الترابية لممارسة اختصاصاتها من خلال تمكين الجهات من الوكالة الجهوية لتنفيذ
المشاريع، وصولا الى الشراكة والتعاقد كآلية لتنفيذ الاختصاصات المشتركة والتي
اثبتت نجاعتها في القدرة على تعبئة التمويلات اللازمة للتنمية.
·
إن توفير شروط الاشتغال ورصد الموارد لابد ان يضع
الجماعات الترابية موضع التقييم والرقابة. لذلك تلعب المجالس الجهوية للحسابات
دورا هاما في تنزيل المبدأ الدستوري المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة.
ونظرا
لكون المشرع قد وسع من اختصاصات الجماعات الترابية في ظل محدودية مواردها، فإن
الحاجة لازالت قائمة لحضور الدولة على مستوى الدعم المالي ووضع آليات لتقليص
التفاوتات المجالية عبر صندوقي التضامن بين الجهات والتأهيل الاجتماعي.
واذا
كانت هذه الاوراق البحثية قد رصدت اهم التحولات التي عرفتها الجماعات الترابية
تنظيما وتدبيرا منذ لحظة التأسيس الدستوري، فإن التنزيل التشريعي والتنظيمي لهذه
المبادئ كشف ان هناك مناطق ظل لا زالت بحاجة الى تسليط مزيد من الضوء من طرف
الباحث والفاعل في حقل الجماعات الترابية.