نظم الفريق
البيداغوجي لماستر "حكامة الجماعات
الترابية و التنمية المستدامة " التابع لكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية- جامعة ابن زهر أكادير
بالتعاون مع كل من فريق البحث حول القانون العام و الحكامة بذات الكلية و
المركز المغربي للدراسات و تحليل
السياسات ندوة علمية وطنية في موضوع "الرقابة على مالية الجماعات الترابية"، وذلك يوم السبت 07 مارس 2020 بقاعة الماستر بمقر الكلية. وقد شارك في هذه الندوة ثلة من الأساتذة والباحثين والممارسين المنتمين الى
جامعات ومؤسسات وطنية.
وقد أحاطت الندوة بالموضوع من زوايا وقراءات
متكاملة، مع اعتماد مقاربات متنوعة؛ من خلال محاولة إبراز طبيعة وأدوار الفاعلين
في مجال المراقبة على مالية الجماعات الترابية وصيرورة وآليات تدخلهم والوقوف على
الإشكاليات الأساسية التي يطرحها النموذج المغربي في هذا الباب.
وهكذا انتظمت
فعاليات هاته التظاهرة العلمية في جلستين علميتين وجلستين افتتاحية وختامية.
الجلسة الافتتاحية:
ترأس الجلسة
الافتتاحية الدكتور الحسين الرامي، أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية
والاجتماعية بأكادير ومنسق ماستر حكامة الجماعات الترابية والتنمية المستدامة
ورئيس المركز المغربي للدراسات وتحليل السياسات. حيث تم تقديم كلمتين افتتاحيتين وترحيبيتين بالمشاركات والمشاركين من طرف
السيدين؛ الدكتور محمد بوعزيزي: عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير، والدكتور
رشيد البزيم عن اللجنة المنظمة.
وقد ذكر المتدخلان في كلمتيهما بأهمية الندوة
وبسياق تنظيمها وإعدادها. لاسيما وأن الرقابة على مالية الجماعات الترابية تشكل أحد المواضيع التي
تحضا باهتمام بالغ من قبل الدولة ومختلف الفاعلين المعنيين بالتنمية الترابية. كما أن هذه الندوة تشكل
فرصة للإسهام في النقاش الرامي الى تقييم التجربة الأولى للمجالس الترابية
المنتخبة بعد دستور 2011 والقوانين
التنظيمية الثلاث 111.14 و112.14 و113.14.
كما تم التأكيد على أن آليات مراقبة مالية الجماعات الترابية تلعب دورا مهما في إعمال القانون والمحافظة على المال العام وتحقيق الفعالية والنجاعة والجودة في الخدمات العمومية التي تقدمها الجماعات الترابية.
الجلسة العلمية الأولى:
انطلقت أشغال
هاته الجلسة في حدود الساعة الرابعة والنصف بعد الزوال، وترأسها الدكتور الحسين
الرامي، أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير ومنسق
ماستر حكامة الجماعات الترابية والتنمية المستدامة ورئيس المركز المغربي للدراسات
وتحليل السياسات. وتولى تقرير
أعماله الحسن أموليد، طالب باحث بماستر حكامة الجماعات الترابية والتنمية
المستدامة. وقد تضمنت هذه
الجلسة مداخلتين.
المداخلة الأولى حول موضوع:" الرقابة السياسية على
المالية الترابية"، قدمها د. منصف الحضري؛ دكتور في
القانون العام وخريج المعهد العالي للإدارة ورئيس قسم بإحدى الإدارات العمومية. وقد استهل مداخلته بإعطاء
نبذة عن السياق التاريخي الذي ظهرت فيه المراقبة السياسية على المال العام.
وقد قسم مداخلته إلى محورين: تناول في الأول العلاقة الجدلية بين مبادئ و قواعد الحكامة المالية(المشروعية ترشيد النفقات،
النجاعة، الشفافية ،ربط المسؤولية بالمحاسبة، الأعمال على أساس التنمية...) و المراقبة على المالية و
ذكر بموقع المراقبة السياسية في دورة الميزانية ، وفي محور ثان تطرق الى أدوار مختلف
الفاعلين (الآمر بالصرف أي
رئيس الجماعة الترابية ،لجنة الميزانية و الشؤون المالية و البرمجة ،المجلس
التداولي من خلال الدراسة و التصويت على الميزانية و من خلال انتداب أحد أعضائه في
مجلس إدارة أو مراقبة شركات التنمية المحلية التابعة له و كذلك من خلال إمكانية
إحداث لجان مؤقتة للتقصي و الإفتحاص، المواطنون العاديون من خلال الاطلاع على
الميزانية التي يضعها الرئيس رهن إشارة العموم بعد أن تنال التأشيرة) المعنيين بالمراقبة
السياسية على مالية الجماعات
الترابية في ضوء القوانين التنظيمية
الثلاث .
وقد خلص الأستاذ في
مداخلته إلى أن القوانين التنظيمية جد متقدمة حيث أسندت الى المجالس المنتخبة
المسؤولية الكاملة والواسعة في وضع وتقييم السياسات العمومية الترابية وأن مجال
المراقبة السياسية شاسع ومهم لكن السؤال الذي يطرح نفسه، يقول المتدخل، هو: هل المجالس المنتخبة
تحترم وتستغل كل ما يتيحه القانون؟
أما المداخلة
الثانية حول موضوع:" الرقابة الإدارية
على مالية الجماعات الترابية"، والتي قدمها ذ محمد معزوزي، باحث في الشأن الترابي والتنمية المحلية، فقد
تناولت الموضوع من خلال ثلاثة محاور رئيسية. و أحاط الأستاذ المتدخل في تقديمه بأهمية الموضوع خصوصا مع تكريس مبدأ
التدبير الحر و تعزيز الاستقلال الإداري و
المالي و استبدال الوصاية بالمراقبة و توسيع اختصاصات الجماعات الترابية و كذلك
مع تزايد أهمية الاعتمادات المالية التي تدبرها الجماعات .كما ذكر المتدخل بالسياق التاريخي العام للموضوع .و خصص المحور الأول لبسط المبادئ الدستورية التي تؤطر المراقبة الإدارية
على الجماعات الترابية ؛ كالحكامة الجيدة و ربط المسؤولية بالمحاسبة و المشروعية و
التدبير الحر (الفصل 136)
و دور العمال والولاة في المراقبة الإدارية (الفصل 145)والانتقال من
سلطة الوصاية إلى المراقبة الإدارية وربطها بالجوانب المتعلقة بشرعية القرارات والمقررات، مع إعطاء
أهمية لمواكبة الجماعات الترابية في أداء مهامها واعتماد قاعدة المراقبة البعدية،
باستثناء بعض المجالات المحدودة التي تخضع للتأشيرة القبلية، وإعطاء الاختصاص
للمحكمة الإدارية للبت في النزاعات المتعلقة بالمراقبة الإدارية وبتسيير المجالس (العزل، الحل، بطلان المداولات، إيقاف تنفيذ المقررات
والقرارات، إلخ). .
كما أوجز المتدخل المستجدات التي جاءت بها
القوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية في مجال التدبير المالي، حيث ركز
على إجبارية البرمجة الميزانياتية على ثلاث سنوات وعلى مبادئ التدبير بالنتائج
وليس على أساس الوسائل. ثم خصص المتدخل
المحور الثاني للحديث عن أصناف المراقبة الإدارية حيث ميز بين ثلاثة أصناف من
المراقبة الإدارية: المراقبة
الممارسة على أجهزة الجماعات الترابية والمراقبة الممارسة على الأعمال المتخذة من
طرف المجلس أو رئيس هو المراقبة الممارسة على الأعمال الميزانياتية. ولتحقيق هذه الغاية، وضع
المشرع آليات عملية، من قبيل إلزامية تبليغ مقررات المجلس والقرارات التنظيمية
للرئيس إلى سلطة المراقبة، وكذا آلية التأشير، ذلك أن بعض المقررات لا تكون قابلة
للتنفيذ إلا بعد التأشير عليها، لاسيما القرارات ذات الوقع المالي على النفقات أو
المداخيل. كما تطرق المتدخل
إلى خضوع العمليات المالية والمحاسباتية للجماعات الترابية لتدقيق سنوي، تنجزه
المفتشية العامة للمالية أو المفتشية العامة للإدارة الترابية أو هما معا. وفي محور ثالث وأخيرا
توقف الأستاذ المتدخل عند أهم الإكراهات التي تطرحها القوانين المعمول بها حاليا
أمام المراقبة الإدارية. حيث خص بالذكر؛ الآجال القانونية المقيدة للغاية وصعوبة تقدير التوازن
الميزانياتي بالنسبة للجماعات الترابية التي تعرف وضعية مالية صعبة هيكليا، وبغياب
مسطرة تؤسس لحوار مسبق بين مصالح الجماعات الترابية والمصالح المكلفة بالمراقبة
لتفادي رفض التأشير على ا لميزانية، وكذا بإلزامية تسجيل النفقات الإجبارية رغم
عدم التأكد من أدائها.
وفي ختام مداخلته أكد المتدخل على ضرورة القيام بعملية تقييم شاملة عند متم فترة الانتداب الحالية للوقوف على نقاط الضعف من أجل تصحيحها.
الجلسة الثانية
انطلقت أشغال
الجلسة الثانية في حدود الساعة الخامسة والنصف، والتي ترأسها الدكتور رشيد البزيم: أستاذ القانون العام
بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير. وتولى تقرير أعمال هذه الجلسة الطالب الباحث سعيد بركاش، وقد تضمنت هذه
الجلسة ثلاث مداخلات.
المداخلة الأولى حول موضوع:" مراقبة مالية الجماعات من خلال الاختصاصات القضائية للمجالس الجهوية"، قدمها الباحث مصطفى لغليمي، المتخصص في المالية الترابية. وقد استهل مداخلته بإعطاء تعريف التدقيق والبت في الحسابات من خلال الأطراف المعنية وكذا تدقيق بعض المفاهيم العامة، وتطرق في مداخلته إلى عدة محاور نذكر منها أعمال المراقبة موضوع البت في الحسابات، ثم الإطار القانوني للتدقيق والبت في الحسابات ومبادئه وموقعه بالنسبة لاختصاصات المجالس الجهوية. وعرج الأستاذ على مسطرة البت في الحسابات ومخرجاتها إلى جانب خصائص المسؤولية في ميدان البت في الحسابات. كما وقف الأستاذ المتدخل بالتفصيل على الأطراف المتدخلة (الآمر بالصرف والمحاسب العمومي والمجلس الجهوي للحسابات) ومسؤولية كل طرف من هذه الأطراف. وفي محور مخصص للمحاسبة العمومية حرص السيد لغليمي على شرح المبادئ الأساسية للمحاسبة العمومية وقارن بينها وبين المحاسبة التجارية مذكرا أن التوجه الحالي يسير نحو تقريب المحاسبة العمومية من المحاسبة الخاصة (التجارية) أو ما يسمى المحاسبة patrimoniale. واختتم الأستاذ مداخلته بالتأكيد على ضرورة الاتجاه نحو نظام جديد للمسؤولية في مجال البت في الحسابات وذلك باعتماد التدبير الجديد المرتكز على النتائج.
أما المداخلة الثانية والتي تحمل عنوان "الرقابة على مالية الجماعات الترابية قراءة نقدية" والتي كانت من تقديم الدكتور الجلالي شبيه أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة القاضي عياض مراكش. فقد تعرضت بالنقد لنظام الرقابة على مالية الجماعات المحلية في صيغته الحالية. ووضح الأستاذ الجلالي العلاقة الجدلية القائمة بين النظام السياسي للدولة ونوع الرقابة على مالية الجماعات المحلية المعتمد، إذ تكون الرقابة ممركزة في الدول المركزية كما هو الشأن في المغرب. وحرص الأستاذ على سرد مجموعة من الأمثلة التي تؤيد طرحه. نورد منها على سبيل الذكر كون مجموعة من مقررات المجلس الجماعي لا تكون قابلة للتنفيذ إلا بعد مراقبتها والتأشير عليها من طرف سلطات المراقبة. كما تطرقت المداخلة لكون أهم موارد الجماعات الترابية عبارة عن اعتمادات ممنوحة من طرف الدولة وهو ما يحد من الاستقلالية المالية للجماعات الترابية. وخلص الأستاذ العارض في مداخلته إلى ضرورة الاتجاه نحو التخفيف من الرقابة عبر توعية المسؤول المحلي وجعله موضع ثقة.
المداخلة الثالثة كانت حول موضوع "التنمية المحلية بين مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية والرقابة المالية، نموذج جماعة انزكان" من تقديم الأستاذ حسن الدمان، أستاذ مساعد بكلية العلوم القانونية الاقتصادية والاجتماعية بجامعة ابن زهر أكادير. و عضو بمختبر الدراسات والأبحاث التطبيقية بالعلوم الاقتصاديةLERASE . وقد استهل السيد الدمان مداخلته بتعريف بعض المفاهيم كالتنمية المحلية والتنمية الاقتصادية والتنمية البشرية. كما عرج الأستاذ على بعض النظريات الاقتصادية التي تشكل منطلقا لتحليله. كما تطرقت المداخلة لبرنامج عمل الجماعة الذي يهدف إلى تلبية حاجات الساكنة سواء المقيمة فعليا أو المتواجدة بالمجال مؤقتا عبر جهد استثماري مستمر. من جانب آخر تحدث الأستاذ عن تدبير ميزانية الجماعة الترابية ومدى إسهامها في إنعاش التشغيل المحلي. وفي ختام مداخلته عرض الأستاذ المتدخل لثلاثة نماذج من حالات اللاتوافق بين التدبير الحر للاختصاص وسلطة المراقبة المالية التي عرفتها جماعة انزكان. ليخلص في الأخير أن بعض القواعد القانونية تحد من الفعالية الاقتصادية للجماعات الترابية.
بعد ذلك فتح باب المناقشة العامة، فتدخل الحضور في إطار التفاعل مع المداخلات المقدمة، حيث ثمت الإشارة إلى إمكانية اعتماد المقاربة التشاركية كآلية للرقابة، ثم إشكالية تقييد النصوص التنظيمية التي قيدت مبدأ التدبير الحر المنصوص عليه في الدستور والتي يمكن اعتبارها مراقبة قبلية "صامتة". بالإضافة إلى قصور النموذج الفرنسي في الرقابة الذي يعتمده المغرب بشكل كبير مقارنة مع النماذج الدولية الأخرى. وفي إطار التعقيب على تساؤلات المتدخلين تفاعل السادة الأساتذة مع تدخلات الحضور، إذ حرصوا على توضيح بعض المفاهيم وإعطاء إضاءات إضافية حول الموضوع.
وفي الجلسة
الختامية، تناول الكلمة الدكتور الحسين الرامي حيث جدد شكره للأساتذة المتدخلين
وللحضور وضرب موعدا للجميع في ندوة علمية أخرى حول "تدبير مالية الجماعات الترابية وسؤال النجاعة" وذلك يوم 14 مارس2020 بمدينة طاطا.
وأسدل الستار على
أشغال الندوة على الساعة السابعة والنصف مساء بأخذ صورة جماعية تذكارية.