لقاء علمي حول دور الوكالات الحضرية في التخطيط الترابي المحلي

 

احتضن المدرج 10 برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة ابن زهر بأكادير، صبيحة يوم الجمعة 05 فبراير2021، ابتداء من الساعة التاسعة صباحا، لقاء تواصليا في موضوع : "دور الوكالات الحضرية في التخطيط والتدبير الحضري"، من تنظيم طلبة ماستر حكامة الجماعات الترابية والتنمية المستدامة، بتنسيق مع فريقه البيداغوجي وفريق البحث في القانون العام والحكامة، و المركز المغربي للدراسات وتحليل السياسات، أطره السيد محمد تيتا مهندس معماري والمدير السابق للوكالات الحضرية بأكادير وتازة، المدير الحالي للمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بأكادير، بحضور الأستاذ الدكتور الحسين الرامي، أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة ابن زهر ورئيس المركز المغربي للدراسات وتحليل السياسات، و الأستاذ الدكتور رضا الفلاح، أستاذ القانون الدولي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة ابن زهر بأكادير.

استهل اللقاء بكلمة ترحيبية من الأستاذين الجامعيين بالسيد محمد تيتا، تلتها توطئة في موضوع اللقاء وتعريف بالسيد المحاضر، قدمها الأستاذ الدكتور الحسين الرامي.

إثر ذلك تسلم الكلمة مدير المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بأكادير، مسلطا الضوء في الشق الأول من مداخلته على الطبيعة القانونية للوكالات الحضرية، كمؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، يشمل نطاق اختصاصها المجال الترابي المحدد لها، سواء كان عمالة أو إقليما أو عدة عمالات أو أقاليم، تخضع لوصاية الدولة، يديرها مجلس إدارة ويدبر شؤونها مدير معين على رأسها، سوى الوكالة الحضرية للدار البيضاء التي تخضع لسلطة عامل مدير عام، ويبلغ عددها حاليا 30 وكالة حضرية موزعة على مجموع التراب المغربي، من خلال تغطيته بوثائق التعمير بمعدل 120 وثيقة و100.000 مشروع في السنة، و استرسل من خلال الشق الثاني، في سرد السياق التاريخي والسياسي لظهور الوكالات الحضرية بالمغرب، منذ صدور أول قانون للتعمير سنة 1914، ثم ظهير 30 شتنبر 1976 المتعلق بالميثاق الجماعي، الذي جعل تسليم رخص التعمير بما فيها رخصة البناء من اختصاصات رؤساء الجماعات، مرورا بالظهير الشريف رقم 1.84.188 الصادر بتاريخ 9 أكتوبر 1984 المتعلق بإحداث الوكالة الحضرية للدار البيضاء، كما ذكر بالخطاب الذي ألقاه المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني بمراكش أمام هيئة المهندسين المعماريين في 14 يناير 1986، والذي أكد فيه على ضرورة تطوير التصميم المعماري المغربي، بطريقة تمكن من الحفاظ على تنوع التراث الوطني، معبرا في نفس الوقت عن الاهتمام الذي يوليه لإنجاز المدن وأعلن فيه، بالمناسبة، عن إحداث هيئة المهندسين المعماريين وظهير يخصها، كما عرج على القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير الصادر بتاريخ 17 يونيو 1992، والقانون 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات الصادر بنفس التاريخ.

و أردف مذكرا بالظهير الشريف رقم 1.93.51 صادر في 22 من ربيع الأول 1414 موافق 10 سبتمبر 1993 المتعلق بإحداث الوكالات الحضرية، كما لم تفته فرصة التذكير بالرسالة التي وجھھا جلالة الملك محمد السادس للمشاركين في الملتقى الوطني لانطلاق إعداد مدونة التعمير بأكادير سنة 2005، و ما تلاها من إنشاء فيدرالية الوكالات الحضرية بالمغرب " شبكة مجال" سنة 2006، التي وصل عدد الوكالات الحضرية المكونة لها إلى حدود اليوم، 30 وكالة تغطي كامل التراب الوطني، و هي نفس السنة التي شهدت إحداث وزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية، إلى غاية استبدالها سنة 2011 بوزارة السكنى و التعمير و سياسة المدينة.

وبعد حديثه بإسهاب، عبر تفكيك المحطات التاريخية المؤثرة في الترسانة القانونية والمؤسسات الرقابية، خلص السيد محمد تيتا إلى أن التعمير يعتبر رهانا سياسيا، متمثل في خلق الوكالات الحضرية كاستجابة لسياقات اجتماعية متفاعلة، في حين شكل الميثاق الوطني لإعداد التراب آلية ضوابط وموازين، مما يؤكد دور الدولة في تنظيم التعمير.

ومن خلال الشق الثالث، تطرق إلى جرد نتائج ومهمات الوكالات الحضرية والأداء المترتب عنها عبر:

·                    التخطيط والتصميم.

·                    التدبير الحضري.

·                    الرصد وإعادة الهيكلة.

·                    جمع ونشر المعلومات المتعلقة بالتنمية الحضرية.

ليتبين أثناء هذا الجرد أن أدوار الوكالات الحضرية تمتد من التحديد الترابي إلى تفعيل الرؤى والدفع بالإصلاح والتعديل القانوني.

بعد ذلك قام الأستاذ الدكتور الحسين الرامي بتبيان ما تقدم به السيد مدير المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بأكادير، في المداخلة التي أبرزت بالملموس من خلال المحطات التاريخية المذكورة، تطور الترسانة القانونية في مجال التعمير بالموازاة مع التغييرات المؤسساتية والمجتمعية بالمغرب.

إثر ذلك فتح باب النقاش لطلبة ماستر حكامة الجماعات الترابية والتنمية المستدامة، حيث ارتكزت معظم أسئلتهم على نوعية البنية الهيكلية للوكالات الحضرية وكيفية تكوين مجالس إدارتها؟ العلاقة بين هذه البنيات وسلطة الرقابة؟ سر إخضاع الوكالة الحضرية للدار البيضاء لوزارة الداخلية؟ مدى تداخل اختصاصاتها مع الجماعات الترابية وتنافيه مع مبدأ التدبير الحر؟ التفكير في خلق وكالات حضرية جهوية؟ استحسان خلق الوكالات الحضرية كفعل وليس كرد فعل واستجابة للسياق الاجتماعي؟ علاقة رفض الرخص من طرف الوكالات الحضرية بعرقلة الاستثمارات؟

و في معرض رده عن كل التساؤلات، استنتج السيد محمد تيتا أن ما يدور من أفكار في ذهن العامة لا يعدو أن يكون مجرد ما يروج عن الوكالات الحضرية في المخيال الجماعي للمواطنين، منبها إلى ضرورة التمييز بين ما هو تقني وسياسي، و هو الهدف المبتغى من هذه اللقاءات النوعية بامتياز، مركزا على تبيان دور الوكالات الحضرية في ضمان حقوق المواطن في احترام للقواعد القانونية لصالحه، و أبرز مثالا هو ظاهرة التقسيمات غير القانونية و البناء العشوائي خلال الفترة الممتدة بين سنتي 2010 و 2012، و التي ذهب ضحيتها المواطن، خصوصا و تعدد المتدخلين في التدبير الحضري مما يفرض على الوكالات الحضرية السهر على احترام قوانين التعمير و الضوابط القانونية في جانب دراسة الملفات، من خلال علاقة مؤسساتية بسلطة الرقابة، مضبوطة بنصوص قانونية، تلزمها بالحسم في الملفات قد تصل للرفض في حال تبوث عدم قانونية الطلبات، و هذا لا يمنعها من المساهمة بخبرتها الميدانية و الكفاءات المتخصصة في خدمة المجال عبر مساعدة تقنية، اقتصادية، اجتماعية وتقديرية، تخولها لها قاعدة البيانات الخاصة بكل وكالة، وما يدور حاليا من نقاش حول الوكالات الحضرية الجهوية ذات الدور الاستشرافي والآخر التدبيري، كمقاربة جهوية محتملة.

كما أجرى تشخيصا موجزا لمشكل غياب تبوث الملكية بالعالم القروي، وتخويل القانون لرؤساء الجماعات الحق في إنجاز تصميم التهيئة الخاص بالجماعات، بتمويل مشترك مع الوكالات الحضرية، عن طريق طلب موجه من الرئيس المعني بالأمر للوكالة الحضرية ذات النفوذ.

ثم نوه بالحوار الوطني حول إعداد التراب الوطني، وأخذه بعين الاعتبار المجال في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، من خلال ورشات متفرقة على الصعيد الوطني شملت الفاعلين المختصين، الاقتصاديين، والمنتخبين، وممثلي المجتمع المدني، ثم استعرض تجربة كاناريا ودور الجماعة في التعمير واحترام الضوابط التقنية والقانونية.

وفي الأخير، نوه الأستاذ الدكتور الحسين الرامي بالتفاعل الذي شهده المدرج، عقب عليه السيد مدير المدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بأكادير، استعداده لتجديد التواصل لمناقشة الموضوع من مختلف الزوايا والاختصاصات.