الندوة الوطنية حول موضوع علاقة الدولة بالجماعات الترابية

بمبادرة من فريق البحث حول قانون وإدارة وسياسة البيئة التابع لمختبر الدراسات في العلوم القانونية والاجتماعية والقضائية والبيئية، وبشراكة مع المركز المغربي للدراسات وتحليل السياسات، تم تنظيم ندوة علمية وطنية حول موضوع "علاقة الدولة بالجماعات الترابية بين المبادئ الدستورية وإكراهات الواقع" بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أيت ملول جامعة ابن زهر يومي الجمعة والسبت 2 و3 أبريل 2021.

عرفت الندوة حضور نخبة من الأساتذة والباحثين من كليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير، أيت ملول، مراكش وقلعة السراغنة التابعة لجامعة ابن زهر وجامعة القاضي عياض إلى جانب مجموعة من الخبراء ورؤساء مجالس لبعض الجماعات الترابية والطلبة الباحثين وممثلين لجمعيات المجتمع المدني الذين قدموا مداخلات قيمة في مواضيع مختلفة ذات الصلة بعنوان الندوة.

تم افتتاح اللقاء من طرف الدكتور الحسين الرشدي منسق أشغال الندوة وأستاذ القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أيت ملول، حيث تقدم بالشكر لعموم الحاضرين واللجنة التنظيمية واللجنة العلمية للندوة ورحب بالأساتذة الباحثين وخص بالشكر كل من تكبد عناء السفر ومشقة التنقل للمشاركة في هذا العرس العلمي.

بعد ذلك تناول السيد رئيس شعبة القانون بكلية أيت ملول الكلمة مرحبا بالجميع وشاكرا إياهم على الحضور في هذا اللقاء الذي يأتي في سياق التكوين الذاتي والتأطير المستمر، مبرزا دور الجامعة كقوة اقتراحية في مجموعة من المجالات في علاقتها بمحيطيها السيوسيو-اجتماعي، وأشار إلى أن الندوة عبارة عن تقييم تجربة خمس سنوات من ممارسة الجماعات الترابية، في ظل القوانيين التنظيمية. وأكد على ضرورة طبع أشغال الندوة قصد الإفادة بها ونشر مضامينها.

أما الدكتور الحسين الرامي، رئيس المركز المغربي للدراسات وتحليل السياسات، فقد تقدم بكلمة شكر للسيد العميد ونوابه والسيد رئيس الشعبة وكافة الأساتذة والمساهمين في إعداد الندوة، وعبر عن سعادته بتواجده في أحضان هذه الكلية التي تفتح دائما أبوابها لهذه المبادرات، واعتبر اختيار الموضوع موفقا لأنه يحيل إلى ثلاث مستويات المركزية واللامركزية واللاتركيز. وأن العلاقة بين الدولة والجماعات الترابية تطرح علامات استفهام حول المرجعيات ونقط القوة والضعف والفرص المتاحة والمخاطر الممكنة التي يمكن أن تترتب عن عدم سلامة تمتين هذه العلاقة وإهدار الزمن التنموي وتأثيره على علاقة الساكنة بالتراب.

كلمة الدكتور إبراهيم كومغار، نائب العميد ورئيس الفريق المنظم للندوة العلمية جاءت بعبارات الشكر للطاقم الذي ساهم في إخراج هذه الندوة للوجود ونوه بالدينامية التي تعرفها كلية الحقوق بأيت ملول على مستوى اللقاءات العلمية وتلاقح الأفكار وتعميق النقاش.

قبل افتتاح الجلسة الأولى، ذكر الأستاذ الرشدي الحسن بأن هذا اللقاء العلمي يجمع متدخلين متخصصين أكاديميين إضافة إلى ممارسين في الميدان، والهدف هو الإجابة عن سؤال مدى تنزيل المبادئ الدستورية خلال تجربة الجماعات الترابية خلال الولاية الأولى بعد دستور 2011 والقوانين التنظيمية 111.14، 112.14 و113.14 بالجماعات الترابية خلال الجائحة.

الجلسة العلمية الأولى: "المبادئ الدستورية المنظمة لعلاقة الدولة بالجماعات الترابية"

رئيس الجلسة: د. الحسين الرامي

المداخلة الأولى: الدكتور إبراهيم كومغار أستاذ التعليم العالي في القانون العام جامعة ابن زهر، مدير مختبر الدراسات في العلوم القانونية والاجتماعية والقضائية والبيئية
حول موضوع: "الفعالية الترابية الجهوية من خلال المبادئ الدستورية ذات الصلة"
استهل الدكتور كومغار مداخلته بالإشارة إلى راهنية موضوع الندوة ويخص بنيات لها دور كبير في التنمية المحلية ويستحضر مشروع اللاتمركز. فالفعالية الترابية حسب الأستاذ مفهوم يذهب بنا إلى مسألة البحث عن تدبير الشأن المحلي بحمولته السياسية وارتباطها بواقع الفاعل الترابي نفسه وفق منطقين: فعالية السياسات العمومية في حلها للإشكاليات التنموية وفعالية التدبير أي القدرة على التصرف الرشيد.
وأمام إكراهات التدبير هناك شبكة علاقات وظيفية بنيوية، وهنا لابد من استحضار المبادئ المؤطرة للفعل الترابي في الواقع والمتمثلة أساسا في:

·        مبدأ التفريغ: الذي يحقق التدرج في نقل الاختصاصات ويبحث عن أنسب مستوى لتكريس معيار القرب لتنزيل الاختصاصات وتقربيها من المواطن مع مراعاة الفعالة والجودة.

·        التدبير الحر: الذي يجسد سلطة التداول بكيفية ديموقراطية وسلطة تنفيذ المقررات أي حرية التداول والتقرير وامتلاك سلطة تنظيمية.

·        التعاون والتضامن: الذي يجسد الارتباط بين المبادئ المؤطرة للجهات.

·        التدرج والتمايز: الذي يعني التدرج الزمني والمجالي، أي تقييم أداء الجماعات وتمكينها من اختصاصات أخرى في إطار التجريب وقياس قدرتها على القيام باختصاصاتها الذاتية.

إلى جانب هذه المبادئ المهمة والعميقة في علاقتها بالحكامة والتنمية والفعالية الترابية، لابد من تقوية دور النخب، وهنا تكمن الأهمية الكبيرة لاختصاصات رؤساء الجهات الذين يجب أن يتسموا بالشجاعة في صرف الميزانيات وأن يكونوا ملمين بالتقنيات اللازمة لتنزيل المشاريع وإنجاز البرامج.

وأكد الأستاذ كومغار على ضرورة أجرأة اللاتمركز حيث يجب التنسيق بين اللامركزية واللاتركيز، وأن يخدم هذا الأخير الجهوية بتقريب القرار وتراجع المركزي لحساب اللامركزي، وذلك بالتوسيع في التفويض ونقل الاختصاصات إلى المحلي وتحويل الاعتمادات المالية للمصالح اللامركزية.

أما عن الديمقراطية التشاركية فهي تساهم في توسيع القاعدة الديمقراطية للقرار المحلي الترابي، بإشراك المواطن في التدبير اليومي إلى جانب الجمعيات، ما يعكس أهمية الانخراط والانفتاح لكسب التأييد الشعبي وضمان القاعدة الاجتماعية.

وكخلاصة، نوه الأستاذ بدور الدولة المهم في مساندة الجهات وتمكينها من الآليات اللازمة، وذلك بالتدرج والمواكبة لبلوغ الحكامة الجيدة وممارسة الاختصاصات في تناغم جيد مع جميع المستويات الترابية الأخرى دون إهدار للخصوصيات الطبيعية ومقومات جودة الحياة فيها وتحقيقا للتنمية المستدامة.

المداخلة الثانية: السيد أدراق أحمد رئيس مجلس جماعة إنزكان وعضو لجنة الداخلية وسياسية المدينة بمجلس النواب

حول موضوع: "الدولة والجماعات الترابية على ضوء مبدأ التدبير الحر "

حاول السيد أدراق كممارس ملامسة الجانب الواقعي والعملي في تدبير الجماعات الترابية، وأحال بداية على أهمية مبدأ التدبير الحر كأبرز المستجدات التي جاء بها دستور 2011 وكرسته القوانين التنظيمية للجماعات الترابية. إلا أن هذا المبدأ يعرف إشكالات كبيرة في الواقع والممارسة خاصة على مستوى العلاقة بين المنتخب والمعين والعلاقة بين اللامركزية واللاتركيز إلى جانب المعيقات المرتبطة بالتمويل.

فلا يمكن الحديث عن التنمية إذا لم يكن هناك انسجام وتعاون بين الولاة والعمال ورؤساء مجالس الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات. فبالرغم من وضوح الصلاحيات في كل مجال حسب النصوص القانونية إلا أن الواقع يعرف ممارسات لا تمت لهذه النصوص بصلة مما يستدعي جهدا متبادلا من الطرفين قصد تحقيق الحد الأدنى من التنمية المنشودة.

أشار السيد أدراق أنه بعد جرد المواد التي ذكر فيها العامل في علاقته بالجماعة ضمن مقتضيات القانون التنظيمي 113.14، والتي حددت في 44 مادة، يظهر جليا الدور المحوري الذي يلعبه العامل في علاقته برؤساء مجالس الجماعات وحضوره الوازن في جميع  تفاصيل التدبير اليومي للجماعات (التأشير على النظام الداخلي، التأشير على الميزانية، عقد دورات استثنائية بحكم القانون عند طلب العامل ذلك، استدعاء ممثلي المصالح الخارجية عبر السلم الإداري عن طريق العامل لحضور اللجان أو الجلسات العامة، وجوب إدراج نقط في جدول الأعمال عند اقتراحها من طرف العامل، إقالة رئيس المجلس الذي ثبتت إقامته خارج الوطن، التعرض على النقط التي لا تدخل ضمن اختصاص المجلس، التنسيق مع العامل لوضع وإعداد برنامج العمل،...

ثم أكد السيد أدراق على أن بلادنا قطعت أشواطا مهمة وتقدما ملحوظا على مستوى اللامركزية، ولكن لابد من العمل، ولكن لابد من العمل على تفعيل ورش اللاتمركز نظرا لعلاقتهما الوطيدة وما يعرفه هذا الأخير من إشكاليات على مستوى التنزيل.

وفي سياق معيقات تطبيق مبدأ التدبير الحر، ذكر السيد أدراق علاقة الجماعات الترابية بوزارة المالية وحجم المراقبة التي تمارسها هذه الأخيرة على مالية هذه الوحدات الترابية وتدخلات الخزنة الاقليميين والقباض في مراقبة شرعية نفقات ومداخيل هذه الجماعات الترابية. وأثار في الختام إشكالا متعلقا بالمذكرات والدوريات الصادرة خلال فترة الجائحة والتي أصبحت تقوم مقام نصوص قانونية كبرى وتعيق حرية التدبير.

المداخلة الثالثة: الدكتور العابدة محمد أستاذ القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة القاضي عياض مراكش

حول موضوع: "الدولة والجماعات الترابية ومسألة تدبير جائحة كوفيد"

قدم الأستاذ مداخلة في ثلاثة محاور بداية بتحديد المفاهيم الأساسية (الدولة، الجماعات الترابية، إدارة المخاطر والتخطيط)، ثم تحدث عن أسلوب تدبير جائحة كوفيد 19 في المغرب ثم ما بعد الجائحة كقراءة استشرافية.

فالدولة، ككيان مكون من شعب وإقليم وسلطة ويتمتع بشخصية قانونية وسيادة، لابد أن تتعاون وتنسق مع الجماعات الترابية بصفتها أشخاصا اعتبارية خاضعة للقانون العام وفق المبادئ الدستورية المحددة في التدبير الحر والتعاون والتضامن والتفريع، لتمكنها من أداء وظائفها واختصاصاتها الذاتية والمشتركة والمنقولة.

فيما يخص موضوع تدبير الجائحة، الكل كان يعمل بتعاون لأننا في دولة موحدة بسيطة فيها تآخ وتناغم وتنسيق مستمر، ولا يستقيم أن نميز بين مركزي ومحلي في تدبير الجائحة لأن الكل معني بمخاطر الوباء وآثاره. وبالتالي كان لزاما الانخراط الشامل في هذا الاتجاه، كما أنه كان هناك تخطيط محكم في التعامل مع الوضع الحرج الذي عكس استمرارا لسياسة تدبير الكوارث الطبيعية التي تم نهجها منذ سنة 2005.

وختم الدكتور مداخلته بالتأكيد على أن مغرب ما بعد كوفيد يجب أن يأخذ العبرة من هذا الدرس لتدبير المخاطر مستقبلا، وذلك بالاهتمام بالعنصر البشري خاصة في قطاع التعليم والصحة، مع ضرورة الانتقال من الاستراتيجيات القطاعية إلى استراتيجية شاملة.

المداخلة الرابعة: الدكتور حيضرة عبد الكريم أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة القاضي عياض مراكش

حول موضوع: "علاقة الدولة بالجماعات الترابية والرقابة على الأعمال نموذجا"

أشار الدكتور إلى التطور الكبير الذي عرفته اللامركزية ببلادنا والاهتمام الدائم بإشراك المواطنين في تدبير الشأن العام، وهذا ما كرسه دستور المملكة لسنة 2011 الذي نص على مجموعة من المبادئ، أهمها التدبير الحر لشؤون الجماعات الترابية، إلى جانب الانتقال من المحلي إلى الترابي لأن المحلي يحيل دائما على وجود المركزي وهذا تجسيد واضح لاقتسام السلطة بين جميع المستويات وانعكاس لتبني علاقة جديدة قائمة على التعاون بدل الوصاية. لكن واقع الحال يبين استمرار الوصاية تحت مسمى الرقابة أو في حلة المراقبة مع التداخل في توزيع هذه الاخيرة بين الدولة والقضاء، وارتباطهما بأهم القرارات التي تتخذها الجماعات الترابية خاصة في مجال المالية المحلية.

وذكر الدكتور مجموعة من الأمثلة التي تجسد تدخل ممثل الدولة (العامل والوالي) في العديد من صلاحيات الجماعات الترابية والتي تشكل في أغلب الأحيان عائقا أمام تطبيق مبدأ التدبير الحر.