ندوة حول موضوع تدبير مالية الجماعات الترابية وسؤال النجاعة

نظم المركز المغربي للدراسات وتحليل السياسات بالتعاون مع الفريق البيداغوجي لماستر "حكامة الجماعات الترابية والتنمية المستدامة" وفريق البحث حول القانون العام والحكامة التابعين لكلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية- جامعة ابن زهر، في إطار شراكة وتعاون أيضا مع كل من  عمالة طاطا و المجلس الإقليمي لطاطا وجماعة أديس و جماعة أم الكردان و جمعية نساء دودرار و جمعية البحث و التكوين في مهن الجماعات الترابية  ندوة علمية حول  موضوع: "تدبير مالية الجماعات الترابية وسؤال النجاعة" و ذلك يومي  الجمعة و السبت 28 و 29 ماي 2021  بالمركب السوسيوثقافي  بمدينة طاطا.

         تهدف الندوة  إلى الوقوف على إكراهات المالية العمومية الترابية والإسهام في النقاش العمومي الرامي  إلى تقييم التجربة الأولى للمجالس المنتخبة سنة 2016  في تدبير مالية الجماعات الترابية، وذلك من خلال  تشخيص أهم العوائق التي تعترض تمويل برامج الجماعات الترابية والمقاربات الممكنة لضمان حسن تدبيرها و تسليط الضوء على الفرص المتاحة للجماعات الترابية لتطوير مواردها الذاتية بتعزيز قواعد الحكامة  الجيدة و تدبير الممتلكات و بناء كل أشكال التعاون و الشراكات و  إبراز  بعض التجارب الرائدة في تمويل البرامج التنموية وحسن تدبيرها و التحسيس بأهمية توثيق و  تثمين «الممارسات الفضلى ».

وقد انتظمت أشغال هذا الملتقى العلمي الذي نسقه كل من الدكتور الحسين الرامي والدكتور محمد محاسني والدكتور الحسن الرشدي، وتشكلت لجنته التنظيمية من طلبة ماستر حكامة الجماعات الترابية، في جلسة افتتاحية وجلستين علميتين عرفت مشاركة نخبة من الباحثين من كليتي الحقوق بأكادير وأيت ملول و   ثلة من الممارسين في عدد من الجماعات الترابية بجهة سوس ماسة وأطر من وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة ومجموعة من الفاعلين المدنيين المحليين والمهتمين.

        واستهل هذا النشاط العلمي بجلسة افتتاحية يوم الجمعة على الساعة الرابعة عصرا، تناول الكلمة خلالها كل من الدكتور الحسين الرامي عضو فريق البحث في القانون العام والحكامة ورئيس المركز المغربي للدراسات وتحليل السياسات والسيد عبد الطيف أكناو نائب رئيس مجلس جماعة طاطا والسيد الحفظ عمي عن اللجنة التنظيمية. وركزت هذه الكلمات على التنويه بهذه المبادرة العلمية التي تجسد انفتاح الجامعة على محيطها وتضافر جهود كل الفاعلين في المجال الترابي كما رحبت الكلمات بالحاضرين ونوهت بجودته وغناه وقدمت الشكر للمنظمين وكل المساهمين. 

 انطلقت الجلسة العلمية الأولى في تمام الرابعة وعشرين دقيقة برئاسة الدكتور الحسين الرامي أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – أكادير ورئيس المركز المغربي للدراسات وتحليل السياسات، وتضمنت أربع مداخلات.

        تقدم الدكتور الرشدي الحسن، وهو أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- أيت ملول بالمداخلة الأولى حول موضوع "تبويب الميزانية آلية لضبط تدخلات الجماعات الترابية". وركز فيها الأستاذ المتدخل على الإشكالات التي تطرحها النصوص التنظيمية المؤطرة لتبويب ميزانية الجماعات الترابية. حيث نصت القوانين التنظيمية لهذه الوحدات اللامركزية على أن نفقات ميزانياتها تقدم داخل أبواب في فصول منقسمة إلى برامج ومشاريع أو عمليات... كما نصت هذه القوانين التنظيمية على أنه سيحدد نص تنظيمي تبويب الميزانية، وبذلك صدر في ثلاثة مراسم سنة 2017 لكنها تركت صلاحية تحديد هذا التبويب لقرار مشترك بين السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية والسلطة الحكومية المكلفة بالمالية، وهو ما تم سنة 2018. وتضمن هذا القرار مجموعة من المستجدات التي بدأ العمل بها انطلاقا من 1 يناير 2019.

غير أن هذا التبويب قلص بشكل كبير هامش المناورة الذي يفترض أن تتوفر عليه الجماعات الترابية في ممارسة اختصاصاتها، كما قلص هامش الاختيار لدى المدبرين، بل أكثر من ذلك فالتبويب الجديد الذي أتى به القرار المشترك يتناقض مع ما هو وارد في القوانين التنظيمية، وأثر ذلك على مسطرة تعديل الميزانية. وهو ما يطرح مجموعة من الإشكالات العملية التي واكبت التبويب الجديد لميزانيات الجماعات الترابية، وعلى الخصوص عدم ملائمته مع اختصاصات الجماعات الترابية، وعدم إتاحته فتح مجالات الابتكار ومسايرة البرامج التنموية ومخالفته لمقتضيات القوانين التنظيمية فيما يتعلق بالفصول والبرامج. كما أثار إشكالات على مستوى مسطرة تعديل الميزانية ليصبح بذلك هذا التبويب آلية لضبط ميزانية الجماعات الترابية والتضييق على مبدأ التدبير الحر.

ثم تناول الكلمة الأستاذ محمد بن صغار، إطار بوزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة في مداخلة حول موضوع "من إدارة الوسائل إلى التدبير المؤسس على النجاعة". وقسم المداخلة إلى ثلاثة محاور، حيث ركز في البداية على السياق العام المتسم دوليا بتوجه عام نحو "تنميط" دولي يتمثل في اعتماد معايير دولية نتيجة لتيار العولمة وانتصار لنمط التدبير العمومي الحديث الذي ينبني على اعتماد مبادئ وتقنيات المقاولة والقطاع الخاص في التدبير العمومي، ووطنيا باعتماد سلسلة من الإصلاحات التشريعية والتنظيمية الرامية إلى تحديث آليات التدبير واعتماد أسلوب التعاقد والشراكة.

وركز المحور الثاني على رهانات الانتقال إلى ميزانية البرامج والنتائج وعدد الإشكالات التي يطرحها هذا الانتقال كصعوبة مقروئية الميزانية وعدم انسجام الميزانيات والبرامج وبين المتدخل الحاجة إلى توسيع هامش تحرك المدبر العمومي وإلزامه بإعداد برامج على ثلاث سنوات وفق معايير ومؤشرات قابلة للتقويم وفق قاعدة المنفعة العامة وقاعدة النجاعة من خلال ترشيد النفقات العمومية وقاعدة الجودة. وتناول الأستاذ المتدخل في المحور الثالث والأخير مستجدات المحاسبة العمومية وحدد الإشكالات التي يطرحها هذا المجال حيث مازالت تقتصر هذه المحاسبة على مراقبة تحصيل الموارد وأداء النفقات وبين الحاجة إلى توسيع اهتمام هذه المحاسبة إلى كل مجالات التدبير مثل ديون والتزامات الجماعة وكذا تدبير ممتلكاتها في شقيها المادي واللامادي وكذا مواردها البشرية.

ثم تناول الكلمة الأستاذ سالم لوبيز، إطار بوزارة المالية والاقتصاد، في مداخلة حول "الاستقلال المالي للجماعات الترابية ورهان النجاعة المالية".  وركز المحور الأول على مفاهيم ومرتكزات الاستقلال المالي وحدوده وإكراهاته ثم تناول المحور الأخير علاقة الاستقلال المالي بالنجاعة المالية وآليات تعزيز هذه النجاعة.

وخلص الأستاذ المتدخل إلى أن التدبير المالي للجماعات الترابية تعترضه العديد من الإكراهات وأصبح من الضروري التخلي عن آليات التدبير التقليدية والانتقال من التدبير بمنطق الوسائل إلى التدبير بمنطق النتائج، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول قدرة هذه الجماعات لربح هذا الرهان في ظل محدودية وضعف مواردها الذاتية

        وفي المداخلة الرابعة والأخيرة، تناول الكلمة الأستاذ عبد العزيز صورو، رئيس قسم الشؤون المالية -جماعة بيوكرى في موضوع "الموارد المالية للجماعات بين إشكالية الندرة وإكراهات التنمية وضعف الاستقلال المالي". تمحورت المداخلة على بيان مكونات وتركيبة الموارد المالية للجماعات وخصوصيات الرسوم والحقوق المدبرة من لدن الجماعات والإشكالات التي تطرحها كصعوبة تحديد الوعاء وتعدده وصعوبة التصفية وصعوبة الاستخلاص وضعف المردودية وضبابية النصوص القانونية المؤطرة للجبايات المحلية وتشتتها وكثرة الإعفاءات. وعلى ذات المنوال تناول إشكالية الرسوم المدبرة من لدن المصالح الخارجية لفائدة الجماعات حيث أجمل الصعوبات في إشكالية الإحصاء الدوري للوعاء وإشكالية توزيع الإعلامات الضريبية وضعف الموارد البشرية لدى مصالح الخزينة وارتفاع حجم الباقي استخلاصه سنة بعد أخرى وعدم تبادل المعطيات الجبائية بين المصالح الجماعية والمصالح الخارجية واستفادتها من جزء من المداخيل المستخلصة نظير تدبيرها لهذه الرسوم. ثم سلط المتدخل الضوء على إشكالية استقلال القرار المالي للجماعات وواقع مساهمة الموارد الذاتية للجماعات في مجهودات الاستثمار ليعرج في الأخير على إشكالية العدالة المجالية للجبايات المحلية وضرورة مراجعة آلية توزيع منتوج الضريبة غلى القيمة المضافة.

وفي نهاية الجلسة الأولى فتح المجال للمناقشة وتمحورت الأسئلة حول سبل تعزيز القدرة التمويلية للجماعات وإشكالية المنازعات وأثرها على المالية المحلية وكذا إشكالية الباقي استخلاصه والإعفاءات التي تتم مركزيا بينما تتحمل الجماعات الترابية تبعاتها وإشكالية تشتت النصوص التنظيمية وهيمنة التأطير بالدوريات.

وبرئاسة الدكتور الرشدي الحسن، أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-أيت ملول، انطلقت الجلسة الثانية يومالسبت 29 ماي غلى الساعة التاسعة بمداخلة للدكتور محمد المحاسني، أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –أكادير حول موضوع "الجبايات المحلية وسؤال التنمية". حيث بين الاختلالات التي تعتري نظام الجبايات المحلية على المستويين القانوني أو التدبيري وذلك رغم الإصلاحات العديدة التي عرفها هذا النظام الجبائي في سبيل تعزيز الدور التنموي للوحدات الترابية. ثم اقترح الأستاذ المتدخل بعض الإجراءات والخطوات التي من شأنها الاستجابة لمتطلبات التنمية المحلية كتبسيط النظام الجبائي المحلي وجعله أكثر نجاعة وفعالية وتطوير عمليات وإجراءات التحصيل الخاص بالجبايات المحلية وتنمية القدرات التدبيرية للجماعات الترابية والمرتبطة بالجبايات المحلية.

ثم تقدم الحسن أماجود، مكون داخلي في الموارد المالية للجماعات ورئيس مصلحة بجماعة –أكادير بمداخلة بعنوان "قراءة في مداخيل جماعة طاطا: خلاصات ومقترحات". حيث بين في البداية الإطار القانوني والتنظيمي لمداخيل الجماعات ثم قام المتدخل بتشخيص مالي لجماعة طاطا وتقييم مدى نجاعة هذه الموارد ذاتية كانت او خارجية وقياس مردوديتها. ووضح المعطيات المونوغرافية لجماعة طاطا ومصادر تمويلها، وقد قام المتدخل بتشخيص لسنوات 2019 - 2018 - 2017واستثنى سنة 2020 نظرا للظروف الاستثنائية التي عرفتها تلك السنة.

وخلص مجموعة من الملاحظات من قبيل:

-استقرار نسبي لوضعية مداخيل الجماعة رغم تراجع نسبة الاستخلاص وحضور هاجس الموازنة المالية.

- هيمنة المداخيل المحولة من قبل الدولة على مجموع مداخيل التسيير.

- ضعف وتراجع طفيف للموارد الذاتية للجماعة.

- محدودية الموارد ذات الطبيعة الجبائية للجماعة (الرسوم الواردة في القانون 47-06 المتعلق بجبايات الجماعات الترابية).

- ضآلة المداخيل المتأتية من أملاك الجماعة.

- النقص الواضح المسجل بالنسبة لمردودية رسم السكن.

- تزايد حجم الباقي استخلاصه سنة بعد سنة.

- محدودية الاستقلال المالي للجماعة وتراجع النسبة سنة بعد سنة.

واقترح المتدخل في الأخير تخطيطا مبنيا على النتائج وحاول تطبيقه على مداخيل جماعة طاطا كمقترح ليتم اعتماده كمصفوفة لتنمية المداخيل الذاتية للجماعة ابتداء من سنة 2022 من خلال وضع الأهداف الخاصة، والأنشطة، الوسائل، والنتائج وأخيرا المؤشرات.

وحدد الأهداف الخاصة في: إحصاء المادة الضريبية وتحيينها، الرفع من نسبة الاستخلاص وحذف الباقي استخلاصه، تثمين الأملاك الجماعية والرفع من مردوديتها، تنمية القدرات داخل الجماعة وخاصة المنتخبين والموظفين، تحقيق الحكامة الجيدة والنجاعة، وأخيرا استثمار جميع الإمكانيات الجبائية للجماعة.

 ثم تناول الكلمة الأستاذ محمد الفارس، رئيس قسم الشؤون المالية، جماعة أيت ملول حول موضوع "مستجدات القانون رقم 07.20 المتعلق بجبايات الجماعات التربية". وتضمنت المداخلة عناصر ومستجدات هذا القانون الذي يروم ملاءمة منظومة الجبايات المحلية مع مضامين الدستور ومع المحيط القانوني ولاسيما القوانين التنظيمية التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2015.

وفي المحور الأخير تم التطرق لأبرز الإجراءات الرامية لتفعيل القانون 07.20.

وفي المداخلة الرابعة والأخيرة تناول الكلمة السيد زكرياء التاه رئيس قسم الشؤون الإدارية والمالية بجماعة تزنيت ليتدخل في موضوع "مستجدات القانون 19.55 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية". واستهل المتدخل حديثه ببسط السياق والإطار العام لهذا القانون من خلال الخطب الملكية والبرنامج الحكومي. ثم انتقل إلى تقديم عناصر ومكونات هذا النص مركزا على المقتضيات والمساطر التي تهم الجماعات الترابية.

بعد ذلك فتح باب المناقشة حيث ركزت الأسئلة على سبل تقوية قدرات العنصر البشري للجماعات الترابية وتعزيز روح المبادرة لدى المدبر المحلي وتأهيل القدرة التمويلية للجماعات.

وفي الجلسة الختامية أكد الدكتور الحسين الرامي رئيس المركز المغربي للدراسات وتحليل السياسات على اعتزازه بنجاح هذه الندوة وبعزم المركز على تنزيل برنامج للأنشطة العلمية والتكوينية خاص بمنطقة طاطا تنفيذا لاتفاقية الشراكة المبرمة بين المركز وجماعة طاطا.