محاضرة بعنوان: التجربة الجهوية في المغرب وسؤال الحكامة

 

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكادير، بتاريخ 20 أكتوبر 2018

 استهل الأستاذ المحاضر الدكتور عبد الرحيم بوعيدة مداخلته بعبارة ملؤها الأسف والشعور بعدم الرضا نحو المنحى الذي يسير فيه تدبير الشأن الجهوي في المرحلة الراهنة بالمغرب، حيث قال: 
« بدل أن نأتي اليوم في اطار هذه المداخلة لعرض الحصيلة الإيجابية والمنجزات والنجاحات، التي تم تحقيقها في إطار التنظيم الجهوي الجديد بالمغرب، نأتي لاستعراض الإخفاقات والعراقيل التي لازالت تواجه الانطلاقة الفعلية لهذا التنظيم،أاو ما يسمى بالجهوية المتقدمة » .

بعدها، ذكر الأستاذ المحاضر بالسياق التاريخي للإصلاحات الدستورية وصدور القوانين التنظيمية للجماعات الترابية التي عرفها المغرب بداية من سنة 2011، موضحا ان ذلك التغيير في حقيقته لم يشكل تطورا طبيعيا لمسار الدولة وانما كانت استجابة لمتغيرات إقليمية ودولية. فالقيام بتلك الإصلاحات - حسب الأستاذ المحاضر- أصبح ضروريا لكي "يتمكن المغرب من الخروج من عنق الزجاجة أو ما سمي بالربيع العربي"، كما لا يمكن استبعاد قضية الصحراء التي فرضت على المغرب البحث عن نموذج بديل وحل جديد، بعدما فشلت كل الحلول والمقاربات، بحيث "صرفت ميزانيات باهظة في الصحراء واكبتها تغطية إعلامية كبيرة من شأنها إحداث ثورة اقتصادية واجتماعية حقيقية في تلك المناطق وجعلها جنة خضراء لكن لا شيء من ذلك تحقق، مما يطرح سؤال الحكامة بحدة" يضيف المتدخل.
و قد كان عرض الأستاذ مقسما الى محورين رئيسين تناول فيهما القانون التنظيمي للجهات والمعيقات التي يحملها في ثناياه (المحور الأول ) والقوانين الانتخابية والمعيقات السوسيو اقتصادية التي تؤثر على جودة الأداء السياسي، سواء فيما يتعلق بالكتلة الناخبة أو بالفئة المنتخبة (المحور الثاني ).
المحور الأول: القانون التنظيمي للجهات ومعيقات التدبير
ينص القانون التنظيمي للجهات على عدة صلاحيات واختصاصات لرئيس الجهة، الا ان هناك عددا من العراقيل لا يمكن معرفتها والاطلاع عليها الا من طرف الشخص الممارس والموجود في قلب الحدث ، وكمثال على ذلك، ما يلي:
- رغم كون رئيس الجهة هو الآمر بالصرف ومنفذ الميزانية، إلا أنه لا يستطيع تنفيذ الميزانية إلا بعد التأشير عليها من طرف وزير الداخلية، وأي توتر في العلاقة بين رئيس الجهة وسلطة التأشير سيؤثر لا محالة على تنفيذ تلك الميزانية. والسؤال المطروح، حسب المتدخل، "لماذا لم تكن هناك شجاعة لدى المشرع لإعطاء الصلاحية لرئيس الجهة بتنفيذ الميزانية مباشرة بعد المصادقة عليها من طرف المجلس؟"يتساءل المتدخل.
- وجوب ارسال جدول الاعمال الى الوالي، في اجل 20 يوم قبل التاريخ المقرر لعقد الدورة.
- عدم إمكانية دعوة أي رئيس مصلحة خارجية للحضور في الدورة من طرف رئيس الجهة، بدون المرور عبر الوالي.
- البطء في إصدار المراسم والنصوص التطبيقية للقوانين التنظيمية للجماعات الترابية، إذ لم يتم تنزيل أغلب تلك المراسيم والقرارات إلا في سنة 2017.
- وجود إشكالات مادية وندرة في الموارد، بحيث أن الجهات تقوم بإعداد برامج التنمية الجهوية، إلا أنها لا تستطع تنفيذها نظرا لقلة الموارد المالية، فعلى سبيل المثال، يورد المتحدث، فجهة كلميم واد نون، تعتمد بالأساس على الضريبة على القيمة المضافة، كما أن المدبر الجهوي محكوم دائما بطبيعة علاقته مع السلطة.
- ضرورة التأشير على برنامج التنمية الجهوية من طرف وزارة الداخلية.
كل هذه الأمثلة وغيرها، تعطي مؤشرات واضحة على أن كل الآليات التي جاء بها القانون التنظيمي للجهات، والتي تعطي نوعا من الانطباع بوجود ديمقراطية داخل المجلس وصلاحيات لرئيسه، إلا أن تلك الديمقراطية وتلك الصلاحيات "تبقى صورية فقط لا غير، وفارغة من أي محتوى، تجعلنا نعود إلى سلطة الوصاية وليس سلطة المواكبة"، يضيف المتدخل.
 وفي ظل هذه الظروف لا يمكن لرئيس المجلس أن يشتغل بالرغم من أن هناك تصورا في المعتقد الشعبي يفيد بأن الجهة هي المفتاح السحري لجميع المشاكل -وهو تصور غير صحيح- لكون الجهة لازالت مقيدة بالقوانين والوصاية من جهة، وندرة الامكانيات من جهة أخرى. وكمؤشر في هذا الباب، قدم الأستاذ المتدخل مؤشر نسبة البطالة في جهة كلميم واد نون، والتي تبلغ 17 % وتعتبر أكبر نسبة بطالة في المغرب.
و بعد استعراض معيقات تدبير الشأن الترابي الجهوي، انتقل الأستاذ المحاضر الى الحديث عن القوانين الانتخابية ضمن المحور الثاني لهذه المحاضرة.
المحور الثاني: القوانين الانتخابية والبنية السوسيو اقتصادية للكتلتين الناخبة والمنتخبة.
أبرز الأستاذ المحاضر أن "نفس النخب تبقى دائما هي المسيطرة على المشهد السياسي، فهي التي تملك المال والنفوذ والامتدادات التاريخية داخل المجتمع"، مما يفرز نخبا غير مؤهلة على مستوى التكوين بشتى أنواعه. ومما يزكي هذا الطرح التقرير الصادر عن وزارة الداخلية حول نسب الامية في المجالس المنتخبة. كما أشار الى أن هناك نخبا سياسية عبارة عن "كائنات انتخابية تسترزق من الانتخابات وتتخذها كمهنة" بحسب قول المتدخل، وهي نخب تمتلك آليات التحكم في المواطنين في ظل مناخ اجتماعي ملائم لممارسة تلك السلوكيات، يسوده الفقر والامية.
و أمام هذه المفارقات تنتج اختلالات بنيوية وهشاشة اجتماعية، وكنموذج على ذلك أعطى مثالا بالأقاليم الصحراوية التي توجد بها أقلية تسيطر على الموارد والأموال وأغلبية تعاني من الفقر والتهميش وتعيش على مورد بطاقة الإنعاش. وما يزكي طرح الأستاذ المحاضر، كون جهة كلميم واد نون ضخت فيها 67 مليار خلال مدة 13 سنة، إلا أن ذلك المبلغ الكبير لم يظهر له أي أثر على مستوى الواقع، فلا وجود لمستشفى في المستوى ولا جامعة ولا أي منشأة يمكنها ان تبرر صرف تلك المبالغ الضخمة. وفي اطار البحث عن مكامن الخلل، قال المتدخل أن القوانين الانتخابية تشجع على مثل هذه الانحرافات، بحيث لا يعقل ان يبقى الترحال بين الأحزاب من طرف المنتخبين بدون قوانين رادعة، بالإضافة الى عدم المساءلة وعدم تفعيل تقارير المجالس الجهوية للحسابات والمفتشيات العامة المختصة في مراقبة المال العام.
وفي ختام عرضه، خلص الأستاذ المحاضر إلى أنه أمام هذا الواقع "المر" الذي تشهده الجهات بالمغرب، يطرح سؤال الحكامة من جديد وبإلحاح، ويتضح جليا بأن تجربة تدبير الشأن الجهوي تمر بصعوبات و"تنذر بالفشل"، وكمثال صارخ على ذلك حالة مجلس جهة كلميم وادنون الذي يترأسه شخصيا، والذي تم توقيفه "لأسباب واهية" بقرار صادر عن وزير الداخلية، لمدة ستة اشهر قابلة للتجديد، مما يزكي حقيقة الإكراهات والمعيقات التي تحدث عنها في عرضه والتي الشن الت يمكن اجماها فيما يلي:
معيقات قانونية: تتعلق بالنصوص التنظيمية الصادرة والتي تقيد حركة الفاعل الجهوي وتحد من قوته الاقتراحية وحسه الإبداعي وترهن معظم القرارات بتأشيرة وزارة الداخلية.
معيقات مادية: تتمثل في ندرة الموارد المالية واتكال أغلب الجهات على الموارد المحولة من طرف الدولة، أضف إلى ذلك تفاقم الفوارق الاقتصادية بين الجهات.
معيقات بشرية:
تتجلى في عدم تأهيل العنصر البشري المشكل للنخب السياسية لتتحمل المسؤولية عن جدارة واستحقاق، دون نسيان الكتلة الناخبة التي يستشري فيها الفقر والحرمان والامية مما يجعلها عرضة للاستمالة بأبخس الأثمان.